مفهوم التصوف و منظوره من وجهة الاسلام
صفحة 1 من اصل 1
مفهوم التصوف و منظوره من وجهة الاسلام
لا يخفى على العديد منا ان التكلم في موضوع معين يوجب على المتكلم قبل الشروع في التفصيل و التحليل ان يبين و يحدد اطار موضوعه حتى لا يحيد و يسهل للقارئ او السامع رؤية الموضوع و فهمه.
و بما ان التصوف هو موضوع بحثنا اليوم صار واجبا علينا ان نحدد عدة مفاهيم تعتبر اساسية و هامة في موضوعنا ، و التي تسمح لنا في النهاية معرفة و تحديد الاسباب الحائلة دون الفهم الصحيح للتصوف في عصرنا الحالي و التي ادت بدورها الى نشوب حملة شعواء من كل طرف جهلها او تجاهلها.
فتصنيف التصوف الي اي العلوم ينتمي يعتبرمربط الفرس في بداية طرحنا.
جاء في تعريفات الجرجاني ان العلم ينقسم الى قسمين : قديم و حادث
القديم : فهو العلم القائم بذاته تعالى فلا يشبهه غيره من العلوم المحدثة من البشر فهو ببساطة علم الله سبحانه و تعالى الذي قد يعلمه احدا من خلقه أو يؤثره في علم الغيب عنده. و المفروض ان كل علم ما عداه ينصب الى هذا العلم بحيث يعتبر وسيلة الى الوصول الى معرفة الله سبحانه و تعالى مصداقا لقوله تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء.و كل علم لا يورث خشية الله فهو خراب و على هذا لاساس ننطلق للكلام عن ما سوى هذا العلم فنقول
العلم المحدث : هو ما احدثه البشر في مسيرة اعمارهم للارض كوسيلة معينة للغاية التي يرجونها و هو ثلاثة اقسام
: بديهي و نظري و استدلالي
اما البديهي :ما لا يحتاج الى تقديم مقدمات في اثباته كعلم الشخص بوجوده.
و اما النظري: هو العلم الحاصل بحواس الانسان و معونة العقل فالطفل الصغير بحاسة اللمس يتولد لديه شعور الالم عند لمسه للنار و بعقله يخزن هذا الشعور فيصيراداراكا لديه ان النار تحرق.
و اما الاستدلالي: فهو ما يستدل على ضرورة وجوده بالعقل.
و هنا نطرح السؤال التالي : ما المقصود بالعقل ؟
و قد اجاب الماوردي عن هذا السؤال في قوله: ان العقل هو العلم بالمدركات الضرورية و ذلك نوعان احدهما ما وقع عن درك الحواس و الثاني ما كان مبتدءا في النفوس.انتهى كلام الشيخ
هنا اذا ربطنا بين العلمين المحدث و القديم نستنتج ما يلي :
ان العلم بالله يحصل من طريقين اما عن طريق الاستدلال بالعقل او عن طريق القلب بواسطة البدائه الفطريه التي تلهمها الفطرة و لهذا اشار الحبيب المصطفى صل الله عليه و سلم في قوله : "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" .
سؤالنا الان : علـــــــــم التصوف الى اي العلوم ينتمــــــــــــي؟
وبدون الاطالة و الاطناب ندرك انه علم استدلالي بشقه الثاني اي انه يعتمد على البدائه الفطريه التي تلهمها البصيرة او بمعنى ابسط يعتمد على الذوق و الوجدان.
اما اذا اردنا اسقاط الضوء على التصوف من عصرنا الحالي اي من مفهوم العلم الحديث وجب تبيان موضوعه و منهجه ، ذلك ان كل علم يعرف بما يتميز به من موضوع و منهج دون نسيان الرابط بينهما -اي الرابط بين الموضوع و المنهج-و المتمثل في المصطلح او اللغة.
فاي موضوع يستلزم طريقة علمية لمعالجته تسمى منهجا و مدخلا اليهما او رابطا و هو المصطلح اي مجموعة الالفاظ و الكلمات الخاصة بذلك العلم فلا نستطيع القراءة الصحيحة لاي علم من العلوم الا في لغته ، كما انه لا يمكننا ان نحكم الحديث عن حلقات المنهج الا في لغة ذلك العلم نفسه.
ااذن اذا اردنا معرفة علم التصوف ينبغي علينا الاهتمام بكل من
1- الموضوع
2- المنهج
3- اللغة
و اي غموض قد نقع فيه من حيث الفهم الصحيح له يكون نظرا لخلل في فهم احدى العناصر الثلاثة المذكورة.
اما الموضوع و لله الحمد لا يعتبر فيه اشكال كبير لان الغالبية ان لم اقل الجميع يعلم ان موضوع التصوف هو التزكية و غايتها الوصول الى الحق سبحانه و تعالى
اما العنصرين الباقيين المنهج و اللغة ففيهما قمة الاشكال و لو خضنا في تفصيل ذلك نجد
ان الغموض الواقع اليوم في حقيقة التصوف الاسلامي يرجع الى :
1-سبب من خارج التصوف وهو: المنهج الموضوعي في تعامله مع الذوق الصوفي :
فبقول الاستاذ بن بريكة الخبير الدولي في التصوف :ان علم التصوف الاسلامي له موضوع هو التزكية و ان طبيعة هذا الموضوع ذوقية محضة و ان له منهجا هو التربية الروحية و ان هذا المنهج قائم اساسا على الذوق-انتهى كلام الاستاذ- اصبح ظاهرا للعيان صعوبة الاحاطة بمعاني الذوق خصوصا و انه ترسخ في اذهان الكثير ان لم يكن الجميع منا ان المنهج الاستدلالي له شق واحد فقط و هو الحواس ناسين بذلك الشق الثاني وهو الوجدان فالمحبة و الوجد و الاحوال و المقامات لا يمكننا رؤيتها او قياسها و انما هي ذوق يعبر عنه صاحبه و قد لا يتسنى لسامعه معرفته او ادراكه و احيانا كثيرة لا يستطيع استساغته او هضمه فهو تجربة شخصية محضة
2- سبب من ذات التصوف : و هو عدم فهم اللغة الصوفية :
و هذا الامر يتجلى في ثلاثة مظاهر
أ- المظهر الاصطلاحي المجرد كقولك المقام و الحال و الجذب و السلوك ....
ب- الشطح و هو مظهر غريب يتمثل في استخدام هذه المصطلحات و غيرها في كلام غير مفهوم في كثير من الاحيان و ربما يوهم الكفر في احيان اخرى. و هنا جاء كلام الشيخ ابن القيم واضحا في هذا الامر بقوله في المدارج 1/139
(والفناء الذي يشير إليه القوم ويعملون عليه :أن تذهب المحدثات في شهود العبد وتغيب في أفق العدم كما كانت قبل أن توجد ويبقى الحق تعالى كما لم يزل ثم تغيب صورة المشاهِد ورسمه أيضا فلا يبقى له صورة ولا رسم ثم يغيب شهوده أيضا فلا لايبقى له شهود ويصير الحق هو الذي يشاهد نفسه بنفسه كما كان الأمر قبل إيجاد المكونات وحقيقته :أن يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل)
حتى قال :
...وليس مرادهم فناء وجود ماسوى الله في الخارج بل فناؤه عن شهودهم وحسهم .
فحقيقته :غيبة أحدهم عن سوى مشهوده بل غيبته عن شهوده ونفسه لأنه يغيب بمعبوده عن عبادته وبمذكوره عن ذكره ..
وقد يسمى حال مثل هذا سكرا واصطلاما ومحوا وجمعا وقد يفرقون بين معاني هذه الأسماء .وقد يغلب شهود القلب بمحبوبه ومذكوره حتى يغيب به ويفنى به فيظن أنه اتحد به وامتزج به بل يظن أنه هو نفسه.كما يحكى عن رجل أنه ألقى محبوبُه نفسه في الماء فألقى المحب نفسه وراءه فقال له :مالذي أوقعك في الماء ؟فقال :غبت بك عني فظننت أنك أني .
وهذا اذا عاد إليه عقله يعلم أنه غالط في ذلك ..فالرب رب والعبد عبد والخالق بائن عن مخلوقاته ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته ولكن في حال السكر والمحو والإصطلام قد يغيلب عن هذا التمييز وفي هذه الحاله قد يقول صاحبها مايحكى عن أبي يزيد أنه قال (سبحاني )أو مافي الجبة إلا الله )ونحو ذلك من الكلمات التي لو صدرت عن قائلها وعقله معه كان كافرا ولكن مع سقوط التمييز والشعور قد يرتفع عنه قلم المؤاخذة .)انتهى بتصرف وإختصار- للامانة العلمية هذا قول منقول من احد المواقع لم يتسنى لي الاطلاع عليه من مرجعه مباشرة-
ج- الرمز بجميع انواعه.
اما اذا اخذنا النصوص الصوفية و شرعنا في قراءتها و جدناها تنقسم الى صنفين هما :
1- النص الصوفي الاخلاقي :
و هو سهل الفهم يسيرعلى العامة و هذا ما ينصح بقراءته لانه يبين طريق السلوك و هذا ما جاء في كتب الغزالي و المحاسبي
2- النص الصوفي العرفاني :
و هو ما كتب بلغة معقدة و برمزية يصعب معها فهم نصوصه و اقوال اصحابه كما هو الحال في كتب ابن العربي و ابن سبعين و الجيلي. و هذه النصوص كبار العارفين ينهون عن قراءتها لصعوبة فهمها و لايحائها بامور قد يبدي ظاهرها الكفر احيانا و لا يمكن فهمها الا من ارباب العقول و الاحوال او بشرح مرفق من مصدر موثوق ، يفوق صاحب النص في حالته و مقامه او انه يماثله.
اذن كخلاصة ما قلناه اليوم فان :
علم التصوف الاسلامي علم ذوقي يتطلب فهمه الفهم الدقيق لكل من :
1- موضوعه 2- منهجه 3- مصطلحه اي لغته
و ان اللغة الصوفية جزء منها سهل بسيط ميسور للكل فهمه و هو ما تعلق بالسلوك و السير .
و معقدة كتبت بلسان عربي مبين يصعب فهمها و قد توحي احيانا ظاهرها بالكفر و هي جاءت كتعبير عن حال من الاحوال انتابت صاحبها في لحظة معينة فيطغى عليه ذلك الحال من محبة ووجد حتى يغيب عن عقله فلا يدرك ما يقول وفي هذا يذكرنا حديث سيدنا النبي صل الله عليه و سلم المدرج في التوبة في رواية لمسلم اذ قال صلوات ربي و سلامه عليه لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها ، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ، وقد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح .
و لاحظ هنا قوله اخطأ من شدة الفرح انت عبدي و انا ربك و سيدنا النبي صلوات ربي و سلامه عليه فهم ان هذا الامر خارج عن ارادته و انه طغى علي وجدانه من شدة فرحه فلم يعد يدري ما يقول و بمجرد صحوه من سطوة الفرح يرجع عن ما قاله .
تم بحمد الله وفضله الكلام عن اسباب سوء فهم التصوف في عصرنا الحالي املة من الله تعالى ان يجعله في ميزان حسناتنا و ان يجعله حجة لنا لا علينا و يرزقنا الاخلاص و العمل بكل قول فلا نكون من من قال فيهم يا ايها الذين امنوا لا تقولوا ما لا تفعلون
و ان شاء الله سنكمل الاسبوع القادم فيما ييسره الله لنا نساله بركة الوقت و المدد
لا تنسونا من صالح دعائكم.
و بما ان التصوف هو موضوع بحثنا اليوم صار واجبا علينا ان نحدد عدة مفاهيم تعتبر اساسية و هامة في موضوعنا ، و التي تسمح لنا في النهاية معرفة و تحديد الاسباب الحائلة دون الفهم الصحيح للتصوف في عصرنا الحالي و التي ادت بدورها الى نشوب حملة شعواء من كل طرف جهلها او تجاهلها.
فتصنيف التصوف الي اي العلوم ينتمي يعتبرمربط الفرس في بداية طرحنا.
جاء في تعريفات الجرجاني ان العلم ينقسم الى قسمين : قديم و حادث
القديم : فهو العلم القائم بذاته تعالى فلا يشبهه غيره من العلوم المحدثة من البشر فهو ببساطة علم الله سبحانه و تعالى الذي قد يعلمه احدا من خلقه أو يؤثره في علم الغيب عنده. و المفروض ان كل علم ما عداه ينصب الى هذا العلم بحيث يعتبر وسيلة الى الوصول الى معرفة الله سبحانه و تعالى مصداقا لقوله تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء.و كل علم لا يورث خشية الله فهو خراب و على هذا لاساس ننطلق للكلام عن ما سوى هذا العلم فنقول
العلم المحدث : هو ما احدثه البشر في مسيرة اعمارهم للارض كوسيلة معينة للغاية التي يرجونها و هو ثلاثة اقسام
: بديهي و نظري و استدلالي
اما البديهي :ما لا يحتاج الى تقديم مقدمات في اثباته كعلم الشخص بوجوده.
و اما النظري: هو العلم الحاصل بحواس الانسان و معونة العقل فالطفل الصغير بحاسة اللمس يتولد لديه شعور الالم عند لمسه للنار و بعقله يخزن هذا الشعور فيصيراداراكا لديه ان النار تحرق.
و اما الاستدلالي: فهو ما يستدل على ضرورة وجوده بالعقل.
و هنا نطرح السؤال التالي : ما المقصود بالعقل ؟
و قد اجاب الماوردي عن هذا السؤال في قوله: ان العقل هو العلم بالمدركات الضرورية و ذلك نوعان احدهما ما وقع عن درك الحواس و الثاني ما كان مبتدءا في النفوس.انتهى كلام الشيخ
هنا اذا ربطنا بين العلمين المحدث و القديم نستنتج ما يلي :
ان العلم بالله يحصل من طريقين اما عن طريق الاستدلال بالعقل او عن طريق القلب بواسطة البدائه الفطريه التي تلهمها الفطرة و لهذا اشار الحبيب المصطفى صل الله عليه و سلم في قوله : "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" .
سؤالنا الان : علـــــــــم التصوف الى اي العلوم ينتمــــــــــــي؟
وبدون الاطالة و الاطناب ندرك انه علم استدلالي بشقه الثاني اي انه يعتمد على البدائه الفطريه التي تلهمها البصيرة او بمعنى ابسط يعتمد على الذوق و الوجدان.
اما اذا اردنا اسقاط الضوء على التصوف من عصرنا الحالي اي من مفهوم العلم الحديث وجب تبيان موضوعه و منهجه ، ذلك ان كل علم يعرف بما يتميز به من موضوع و منهج دون نسيان الرابط بينهما -اي الرابط بين الموضوع و المنهج-و المتمثل في المصطلح او اللغة.
فاي موضوع يستلزم طريقة علمية لمعالجته تسمى منهجا و مدخلا اليهما او رابطا و هو المصطلح اي مجموعة الالفاظ و الكلمات الخاصة بذلك العلم فلا نستطيع القراءة الصحيحة لاي علم من العلوم الا في لغته ، كما انه لا يمكننا ان نحكم الحديث عن حلقات المنهج الا في لغة ذلك العلم نفسه.
ااذن اذا اردنا معرفة علم التصوف ينبغي علينا الاهتمام بكل من
1- الموضوع
2- المنهج
3- اللغة
و اي غموض قد نقع فيه من حيث الفهم الصحيح له يكون نظرا لخلل في فهم احدى العناصر الثلاثة المذكورة.
اما الموضوع و لله الحمد لا يعتبر فيه اشكال كبير لان الغالبية ان لم اقل الجميع يعلم ان موضوع التصوف هو التزكية و غايتها الوصول الى الحق سبحانه و تعالى
اما العنصرين الباقيين المنهج و اللغة ففيهما قمة الاشكال و لو خضنا في تفصيل ذلك نجد
ان الغموض الواقع اليوم في حقيقة التصوف الاسلامي يرجع الى :
1-سبب من خارج التصوف وهو: المنهج الموضوعي في تعامله مع الذوق الصوفي :
فبقول الاستاذ بن بريكة الخبير الدولي في التصوف :ان علم التصوف الاسلامي له موضوع هو التزكية و ان طبيعة هذا الموضوع ذوقية محضة و ان له منهجا هو التربية الروحية و ان هذا المنهج قائم اساسا على الذوق-انتهى كلام الاستاذ- اصبح ظاهرا للعيان صعوبة الاحاطة بمعاني الذوق خصوصا و انه ترسخ في اذهان الكثير ان لم يكن الجميع منا ان المنهج الاستدلالي له شق واحد فقط و هو الحواس ناسين بذلك الشق الثاني وهو الوجدان فالمحبة و الوجد و الاحوال و المقامات لا يمكننا رؤيتها او قياسها و انما هي ذوق يعبر عنه صاحبه و قد لا يتسنى لسامعه معرفته او ادراكه و احيانا كثيرة لا يستطيع استساغته او هضمه فهو تجربة شخصية محضة
2- سبب من ذات التصوف : و هو عدم فهم اللغة الصوفية :
و هذا الامر يتجلى في ثلاثة مظاهر
أ- المظهر الاصطلاحي المجرد كقولك المقام و الحال و الجذب و السلوك ....
ب- الشطح و هو مظهر غريب يتمثل في استخدام هذه المصطلحات و غيرها في كلام غير مفهوم في كثير من الاحيان و ربما يوهم الكفر في احيان اخرى. و هنا جاء كلام الشيخ ابن القيم واضحا في هذا الامر بقوله في المدارج 1/139
(والفناء الذي يشير إليه القوم ويعملون عليه :أن تذهب المحدثات في شهود العبد وتغيب في أفق العدم كما كانت قبل أن توجد ويبقى الحق تعالى كما لم يزل ثم تغيب صورة المشاهِد ورسمه أيضا فلا يبقى له صورة ولا رسم ثم يغيب شهوده أيضا فلا لايبقى له شهود ويصير الحق هو الذي يشاهد نفسه بنفسه كما كان الأمر قبل إيجاد المكونات وحقيقته :أن يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل)
حتى قال :
...وليس مرادهم فناء وجود ماسوى الله في الخارج بل فناؤه عن شهودهم وحسهم .
فحقيقته :غيبة أحدهم عن سوى مشهوده بل غيبته عن شهوده ونفسه لأنه يغيب بمعبوده عن عبادته وبمذكوره عن ذكره ..
وقد يسمى حال مثل هذا سكرا واصطلاما ومحوا وجمعا وقد يفرقون بين معاني هذه الأسماء .وقد يغلب شهود القلب بمحبوبه ومذكوره حتى يغيب به ويفنى به فيظن أنه اتحد به وامتزج به بل يظن أنه هو نفسه.كما يحكى عن رجل أنه ألقى محبوبُه نفسه في الماء فألقى المحب نفسه وراءه فقال له :مالذي أوقعك في الماء ؟فقال :غبت بك عني فظننت أنك أني .
وهذا اذا عاد إليه عقله يعلم أنه غالط في ذلك ..فالرب رب والعبد عبد والخالق بائن عن مخلوقاته ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته ولكن في حال السكر والمحو والإصطلام قد يغيلب عن هذا التمييز وفي هذه الحاله قد يقول صاحبها مايحكى عن أبي يزيد أنه قال (سبحاني )أو مافي الجبة إلا الله )ونحو ذلك من الكلمات التي لو صدرت عن قائلها وعقله معه كان كافرا ولكن مع سقوط التمييز والشعور قد يرتفع عنه قلم المؤاخذة .)انتهى بتصرف وإختصار- للامانة العلمية هذا قول منقول من احد المواقع لم يتسنى لي الاطلاع عليه من مرجعه مباشرة-
ج- الرمز بجميع انواعه.
اما اذا اخذنا النصوص الصوفية و شرعنا في قراءتها و جدناها تنقسم الى صنفين هما :
1- النص الصوفي الاخلاقي :
و هو سهل الفهم يسيرعلى العامة و هذا ما ينصح بقراءته لانه يبين طريق السلوك و هذا ما جاء في كتب الغزالي و المحاسبي
2- النص الصوفي العرفاني :
و هو ما كتب بلغة معقدة و برمزية يصعب معها فهم نصوصه و اقوال اصحابه كما هو الحال في كتب ابن العربي و ابن سبعين و الجيلي. و هذه النصوص كبار العارفين ينهون عن قراءتها لصعوبة فهمها و لايحائها بامور قد يبدي ظاهرها الكفر احيانا و لا يمكن فهمها الا من ارباب العقول و الاحوال او بشرح مرفق من مصدر موثوق ، يفوق صاحب النص في حالته و مقامه او انه يماثله.
اذن كخلاصة ما قلناه اليوم فان :
علم التصوف الاسلامي علم ذوقي يتطلب فهمه الفهم الدقيق لكل من :
1- موضوعه 2- منهجه 3- مصطلحه اي لغته
و ان اللغة الصوفية جزء منها سهل بسيط ميسور للكل فهمه و هو ما تعلق بالسلوك و السير .
و معقدة كتبت بلسان عربي مبين يصعب فهمها و قد توحي احيانا ظاهرها بالكفر و هي جاءت كتعبير عن حال من الاحوال انتابت صاحبها في لحظة معينة فيطغى عليه ذلك الحال من محبة ووجد حتى يغيب عن عقله فلا يدرك ما يقول وفي هذا يذكرنا حديث سيدنا النبي صل الله عليه و سلم المدرج في التوبة في رواية لمسلم اذ قال صلوات ربي و سلامه عليه لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها ، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ، وقد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح .
و لاحظ هنا قوله اخطأ من شدة الفرح انت عبدي و انا ربك و سيدنا النبي صلوات ربي و سلامه عليه فهم ان هذا الامر خارج عن ارادته و انه طغى علي وجدانه من شدة فرحه فلم يعد يدري ما يقول و بمجرد صحوه من سطوة الفرح يرجع عن ما قاله .
تم بحمد الله وفضله الكلام عن اسباب سوء فهم التصوف في عصرنا الحالي املة من الله تعالى ان يجعله في ميزان حسناتنا و ان يجعله حجة لنا لا علينا و يرزقنا الاخلاص و العمل بكل قول فلا نكون من من قال فيهم يا ايها الذين امنوا لا تقولوا ما لا تفعلون
و ان شاء الله سنكمل الاسبوع القادم فيما ييسره الله لنا نساله بركة الوقت و المدد
لا تنسونا من صالح دعائكم.
aboezra- المدير العام
-
عدد الرسائل : 2933
العمر : 72
المزاج : معتدل
الاوسمة :
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 28/06/2008
رد: مفهوم التصوف و منظوره من وجهة الاسلام
بسم الله الرحمان الرحيم
اللهم صل و سلم على سيدنا محمد النور و اله
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
في البداية قبل أن نكمل الموضوع ارجوا من كل قارئ ان يدعوا لاخت لي صديقة في الله ان يشفيها و يعافيها ويفرج ضيقها و كربها بجاه المصطفى صل الله عليه و سلم امين
كنا قد تكلمنا في المرة السابقة عن علم التصوف و بينا عدة نقاط كانت تقف حاجز دون الفهم الصحيح للتصوف
وباذن لله سندرج بعض الملاحظات المهمة التي لابد منها في البداية حتى تتضح الصورة احسن و بعده ان شاء الله سنلخص ما قلناه حتى تكون كخاتمة لهذا الجزئ من الموضوع ، و هو الجزئ التمهيدي قبل الدخول في صلب الموضوع
الملاحظة الأولى : تتعلق بدراسة المستشرقين للتصوف الاسلامي
ان التسلسل الزمني و الاحداث التي مر بها التصوف الاسلامي ( وهذا سنذكره ان شاء الله بالتفصيل لاحقا في نشأة التصوف)
اخرجت الى النور دراسات للمستشرقين حول موضوع التصوف والتي أخرجت بدورها الى العالم غير الاسلامي جزءا لا بأس به من كتب و مصنفات الصوفية الكبار .وهم في دراستهم صنفين.
صنف بحث التصوف الاسلامي بعمق لكن لم تخل دراسته من التعصب امثال : لويس ماسنيون و هنري كوربان و نيكولسون و آربري و غاردي و ريس و ميير و فيليباني و رونكوني و ديساسي و الذين حاولوا ربط التصوف برهبانية النصارى أو العقيدة البوذية فنسبوا التصوف و المتصوفين الى المذاهب الغريبة عن الاسلام و اخرجوا بذلك للعالم ما يسمى بالتصوف الفلسفي و ما تعلق به من امور بعيدة عن الدين و الملة كنظرية الاتحاد و غيرها.و هم بذلك قصدوا و عمدوا اقناع العالم ان التصوف دخيل عن الاسلام يتشرب من افكار و ملل منحرفة امثال الأستاذ بروان الذي قال : ان التصوف الاسلامي متطور عن البوذية الهندوكية و خصوصا الفيدنتا و خالفه في ذلك نيكسون قائلا: أن البوذية لم تكن من العوامل الفعالة في تصوف المسلمين. و ان كان نيكسون نفسه يرجع التصوف الى الرهبانية المسيحية.
و هنا لا اعجب من قول هذين المستشرقين و امثالهما.فدافعهم لا يخفى على كل ذي عقل
سليم و هو التعصب الديني و الساسة للاستعمار.وقد تضافر الاثنان و امثالهما على الكيد للاسلام و المسلمين. فلا أحد يستطيع القول أن هذه الأقوال قيلت من مستشرقين معروفين امثالهما عن طريق الجهل بالبوذية او المسيحية او الاسلام ؟؟ ؟ و انما قيلت عن علم تام بالموضوع مضافا اليه العنت. لان بوذا حينما قصد الفناء انما قصد الفناء في النيرفانا كما يعلمون و لم يقصد الاله ، و ما تكلم بوذا في حياته و لا في شريعته قط عن اله. فكيف يكون الاسلام او التصوف الاسلامي مأخوذا عن البوذية او المسيحية و هو دين التوحيد (الاسلام) حارب الوثنية و الشرك و الانحراف لكن بصدق انها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور.
و كما قلت اني لا اعجب من قول هذه الفئة من المستشرقين ، فان كان الرسول صل الله عليه و سلم قد حظي منهم بجمل من الاتهامات و الاقوال أتعفف عن ذكرها حياءا من حضرته الشريفة فأي شيء يقال عن ما سواه أخف . و الحمد لله انه أوجد من بني جلدتهم من يرد عليهم بالحجج و البراهين فتجد أقوالهم بعضها يضرب في بعض
لكني أعجب كل العجب من مسلمين في عصرنا اليوم تبنوا هذه الأفكار و اتخذوها قلعدة و سندا لهجمتهم على التصوف بل اقول على الاسلام قبل التصوف.
و ما يزيد دهشتي و عجبي ان منهم من يتكلم بهذه الترهات و لباسه في ذلك التدين و غرضه خدمة الاسلام
فأسال الله سبحانه و تعالى ان يردني و احبابي و جميع المسلمين اليه مردا جميلا و ان يرينا الحق حقا و يرزقنا اتباعه و يرينا الباطل باطلا و يجنبنا اتباعه و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.
الصنف الثاني
كتب بعمق اكبر و مع ان بحوثه تعتبر قليلة بالنسبة للصنف الاول الا انها تعتبر بالغة الاهمية لفهم التصوف فهما صحيحا امثال رويني غينون و تيتوس بوركاردت الذين ارجعوا التصوف الى اصله الاسلامي.
اللهم صل و سلم على سيدنا محمد النور و اله
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
في البداية قبل أن نكمل الموضوع ارجوا من كل قارئ ان يدعوا لاخت لي صديقة في الله ان يشفيها و يعافيها ويفرج ضيقها و كربها بجاه المصطفى صل الله عليه و سلم امين
كنا قد تكلمنا في المرة السابقة عن علم التصوف و بينا عدة نقاط كانت تقف حاجز دون الفهم الصحيح للتصوف
وباذن لله سندرج بعض الملاحظات المهمة التي لابد منها في البداية حتى تتضح الصورة احسن و بعده ان شاء الله سنلخص ما قلناه حتى تكون كخاتمة لهذا الجزئ من الموضوع ، و هو الجزئ التمهيدي قبل الدخول في صلب الموضوع
الملاحظة الأولى : تتعلق بدراسة المستشرقين للتصوف الاسلامي
ان التسلسل الزمني و الاحداث التي مر بها التصوف الاسلامي ( وهذا سنذكره ان شاء الله بالتفصيل لاحقا في نشأة التصوف)
اخرجت الى النور دراسات للمستشرقين حول موضوع التصوف والتي أخرجت بدورها الى العالم غير الاسلامي جزءا لا بأس به من كتب و مصنفات الصوفية الكبار .وهم في دراستهم صنفين.
صنف بحث التصوف الاسلامي بعمق لكن لم تخل دراسته من التعصب امثال : لويس ماسنيون و هنري كوربان و نيكولسون و آربري و غاردي و ريس و ميير و فيليباني و رونكوني و ديساسي و الذين حاولوا ربط التصوف برهبانية النصارى أو العقيدة البوذية فنسبوا التصوف و المتصوفين الى المذاهب الغريبة عن الاسلام و اخرجوا بذلك للعالم ما يسمى بالتصوف الفلسفي و ما تعلق به من امور بعيدة عن الدين و الملة كنظرية الاتحاد و غيرها.و هم بذلك قصدوا و عمدوا اقناع العالم ان التصوف دخيل عن الاسلام يتشرب من افكار و ملل منحرفة امثال الأستاذ بروان الذي قال : ان التصوف الاسلامي متطور عن البوذية الهندوكية و خصوصا الفيدنتا و خالفه في ذلك نيكسون قائلا: أن البوذية لم تكن من العوامل الفعالة في تصوف المسلمين. و ان كان نيكسون نفسه يرجع التصوف الى الرهبانية المسيحية.
و هنا لا اعجب من قول هذين المستشرقين و امثالهما.فدافعهم لا يخفى على كل ذي عقل
سليم و هو التعصب الديني و الساسة للاستعمار.وقد تضافر الاثنان و امثالهما على الكيد للاسلام و المسلمين. فلا أحد يستطيع القول أن هذه الأقوال قيلت من مستشرقين معروفين امثالهما عن طريق الجهل بالبوذية او المسيحية او الاسلام ؟؟ ؟ و انما قيلت عن علم تام بالموضوع مضافا اليه العنت. لان بوذا حينما قصد الفناء انما قصد الفناء في النيرفانا كما يعلمون و لم يقصد الاله ، و ما تكلم بوذا في حياته و لا في شريعته قط عن اله. فكيف يكون الاسلام او التصوف الاسلامي مأخوذا عن البوذية او المسيحية و هو دين التوحيد (الاسلام) حارب الوثنية و الشرك و الانحراف لكن بصدق انها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور.
و كما قلت اني لا اعجب من قول هذه الفئة من المستشرقين ، فان كان الرسول صل الله عليه و سلم قد حظي منهم بجمل من الاتهامات و الاقوال أتعفف عن ذكرها حياءا من حضرته الشريفة فأي شيء يقال عن ما سواه أخف . و الحمد لله انه أوجد من بني جلدتهم من يرد عليهم بالحجج و البراهين فتجد أقوالهم بعضها يضرب في بعض
لكني أعجب كل العجب من مسلمين في عصرنا اليوم تبنوا هذه الأفكار و اتخذوها قلعدة و سندا لهجمتهم على التصوف بل اقول على الاسلام قبل التصوف.
و ما يزيد دهشتي و عجبي ان منهم من يتكلم بهذه الترهات و لباسه في ذلك التدين و غرضه خدمة الاسلام
فأسال الله سبحانه و تعالى ان يردني و احبابي و جميع المسلمين اليه مردا جميلا و ان يرينا الحق حقا و يرزقنا اتباعه و يرينا الباطل باطلا و يجنبنا اتباعه و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.
الصنف الثاني
كتب بعمق اكبر و مع ان بحوثه تعتبر قليلة بالنسبة للصنف الاول الا انها تعتبر بالغة الاهمية لفهم التصوف فهما صحيحا امثال رويني غينون و تيتوس بوركاردت الذين ارجعوا التصوف الى اصله الاسلامي.
aboezra- المدير العام
-
عدد الرسائل : 2933
العمر : 72
المزاج : معتدل
الاوسمة :
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 28/06/2008
رد: مفهوم التصوف و منظوره من وجهة الاسلام
الله
بسم الله الرحمان الرحيم
اللهم صل و سلم على سيدنا محمد النور و اله
نكمل ان شاء الله مع باقي الملاحظات
الملاحظة الثانية: تتعلق ببعض الدراسات و البحوث التي حاولت حصر التصوف الاسلامي ضمن دائرة البحث النفسي
و لعل هذا راجع الى بعض الاخطاء المنهجية في الدراسة. حيث حصر اصحابها انفسهم في دائرة التجربة الحسية وحدها ( و هذا ما تكلمنا عنه في السبب الخارجي لعدم فهم التصوف الاسلامي) و لم يدققوا في فهم مصطلحات الصوفية التي عبر اصحابها بها عن احوال وجدانية ذاتية لا تتصف بصفة العمومية فصنعوا-اصحاب الدراسة النفسية- منهج المماثلة
Analogical method
و هذا هو الخطا بعينه لتعذر ادراكهم للصوفي في حالاته الشعورية الخاصة مماثلة حقيقية و هم –اصحاب الدراسة-ليسوا من بصوفية حتى يتسنى لهم الادراك الحقيقي لتلك الاحوال.
هذا بالرغم من عدم انكارنا للرباط الوثيق الذي يصل علم النفس بعلم التصوف ، اذ يكاد موضوعهما واحد وهو النفس البشرية . اذ يكاد بعضهم لا يجد حرجا في القول بان التصوف هو علم آفات النفس ، يقول سيد حسن نصر في كتابه الصوفية بين الامس و اليوم : وفيما يتصل بعلم النفس فمن الجدير بالذكر ان الصوفية تشتمل على اسلوب مستوفي لشفاء أمراض النفس . و الروح وحدها تستطيع ان تعرف النفس و أن تضيئ زواياها المظلمة و أغوارها السحيقة ، و الانسان الذي حظيت نفسه بالتكامل و الاستنارة هو وحده يملك الحق و الوسيلة لشفاء نفوس الآخرين انتهى.
الملاحظة الثالثة و الأخيرة في الشريعة و الطريقة و الحقيقة او العلم الدني و مفهوم الباطنية عند اهل التصوف :
الشريعة هي الائتمار بالالتزام بالعبودية و الآمر هو الله و الشرع في اللغة : عبارة عن البيان و الاظهار فيقال شرع الله كذا أي جعله طريقا و مذهبا يذهب منه الى طاعته و منه اشتقت الشريعة ، فالشرع هو الدين و الملة و الناموس و كلها بمعنى واحد و الشريعة هي نوع الشرع.
و الطريقة هي السيرة المختصة بالسالكين الى الله تعالى مع قطع منازل السلوك و الترقي في المقامات.
والحقيقة من حق الشيء اذا اثبت و الحق في اللغة : هو الامر الثابت الذي لا يسوغ انكاره ، و في اصطلاح اهل المعاني هو الحكم الحق و يطلق على الاقوال و العقائد و الاديان و المذاهب ، و في البيان : حقيقة الشيء مطابقته للواقع.
فالشريعة ان تعبد الله و الطريقة ان تقصده و الحقيقة ان تشهده.
و يقول عليه الصلاة و السلام : ان العلم علمان : علم في القلب فذلك هو النافع ، و علم في اللسان : فذلك حجة الله على ابن ادم . اخرجه ابن الحكم عن سيدنا الحسن مرسلا.
و قال ايضا : علم الباطن سر من اسرار الله تعالى و حكمة من حكم الله تعالى يقذفه في قلوب من يشاء من عباده. اخرجه الديلمي عن سيدنا علي رضي
فالشريعة اذا ما ورد به التكليف و الحقيقة ما ورد به التعريف
فالشريعة مؤيده بالحقيقة ، و الحقيقة مقيده بالشريعة
فالشريعة خطاب الله لعباده و كلامه الذي ارسله الى عموم خلقه من امره و نهيه ليوضح لهم المحجة و يقيم عليهم الحجة.
والحقيقة ادراك تصرفه في خلقه و ارادته و مشيئته و هي سره الذي يختص به من اختاره من عباده .
و اجمالا فكل شريعة غير مؤيده بالحقيقة تحتاج الى اثبات الاخلاص فيها ، و كل حقيقة غير مقيدة بالشريعة غير مقبولة لعدم ارتباطها بالكتاب و السنة.
وهنا اطلق اصطلاح أهل الظاهر تعبيرا عن تعريف اهل العلم بظاهر الشرع و أهل الباطن أو اهل الحقيقة العرفاء بحقيقة هذا الظاهر أو بما يعرف بفقه باطن الأمر.
و اذا تبين لنا مفهوم الثلاثة: الشريعة و الطريقة و الحقيقة استطعنا ادراك ان العلم اللدني او الحقيقة (و هما لفظان لنفس المفهوم)
ليس سوى ثمرة العبودية لله و المتابعة للرسول صل الله عليه و اله و سلم ، و الصدق في العمل و الاخلاص فيه و بذل الجهد في تلقي العلم من مشكاة الرسول صل الله عليه و على اله و سلم كتابا و سنة و كمال الانقياد لذلك كله فيفتح للعبد باب من فقه كتاب الله ظاهر آياته و باطنها و الأمر كما يقول الامام علي رضي الله عنه و ارضاه و قد سئل هل خصكم رسول الله صلى الله عليه و سلم بشيء دون الناس فقال لا و الذي فلق الحبة و برأ النسمة الا فهم يؤتيه الله عبدا من عباده في كتابه انتهى.
فهذا هو العلم اللدني و دليله في قوله تعالى ( و اتقوا الله و يعلمكم الله) و أما من اعرض عن الكتاب و السنة و لم يتقيد بهما و لم يتغلغل فيهما فعلمه من لدن نفسه و شيطانه.
و انما يعرف كون العلم لدنيا من عند الله بشئ واحد وواحد فقط و هو موافقته لما جاء به الرسول صل الله عليه و سلم من ربه عز وجل.فالعلم اللدني الحقيقي رحماني و العلم اللدني الخيالي شيطاني (و هو ما اشتهر به الزنادقة و السحرة و غيرهم و العياذ بالله)
و المحكم الوحيد لذلك هو الوحي . فمن تدرج من العلم بظاهر الشرع الى باطنه كان ممن عمل بما علم فأورثه الله علم ما لم يعلم و ألهمه بصيرة يتذوق بها الحقيقة ، فيكون هذا العلم من لدن الله عز وجل فأقرب الناس من الله أكثرهم نصيبا من ذلك العلم .
فهذه العناصر الثلاثة المتقدمة الذكر بالتفصيل و التبيين هي المشاء اليها بقوله صلى الله عليه و سلم ( من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم) رواه ابو نعيم في الحلية عن انس بن مالك
فقوله من عمل : اشارة الى الطريقة
و قوله بما علم : اشارة الى الشريعة
و قوله : اورثه الله علم ما لم يعلم اشارة الى العلم اللدني او الحقيقة التي اكرم بها المتقين .
فهذه الملاحظة بطولها تنفي عن التصوف تهمة الباطنية بمعناها السلبي و المعروف اهلها بتسمية الباطنية و هم غلاة الشيعة خاصة لحملهم عقائد تهدم أسس الدين. يزعمون توارثها عن الأئمة من آل البيت الى حين خروج الامام الغائب المعصوم. و ساداتنا آل البيت بريئون من هذا القول بل انهم يحاربون هذه الطرق نفعنا الله بمحبتهم و حشرنا الله في زمرتهم مع سيدنا و حبيبنا و قرة اعيننا صلوات ربي و سلامه عليه.
الخـــــــــــاتـــــــــــــــــــمة:
تكلمنا في هذا الجزء من الموضوع عن التصوف و قلنا انه ليس منطقا عقليا له مقدمات يستلزم صدق نتائجها ووحدتها و انما هو معرفة ذوقية لدنية يهبها الله لمن يشاء.
و أنه يتعين على كل واحد أراد أن يفهم المعنى الصحيح للتصوف الاهتمام بكل من : الموضوع ، المنهج ، اللغة. و ذكرنا ان اساس الهجمة الشعواء التي يتعرض لها التصوف في عصرنا الحالي تتمركز حول الفهم الخاطئ لهذه الجوانب.
و و يمكننا احصاء اسباب سوء الفهم في ما يلي :
1-سبب خارجي وهو عدم ادراك ان التصوف علم ذوقي
2- سبب داخلي و هو صعوبة المصطلح الصوفي
3- نسبة التصوف الى عقائد بعيدة عن الدين كالبوذية و المسيحية من طرف العديد من دراسات للمستشرقين و التي تبناها في ما بعد العديد من المسلمين من غير تحقيق و لا بحث.
4- مصطلح الباطني و اللدني و ما ترتب من فهمه خطا بمعناهما السلبي.
الان بعد ما اصبحت الصورة واضحة جلية في ما يخص اللبس الذي قد يقف كعرقلة في سيرنا لابتغاء الحقيقة في الفهم الحقيقي لمعنى التصوف اصبح بامكاننا باذن الله الدخول و الشروع في صلب الموضوع معتمدين على الله في ذلك و سائلين منه المدد و ذلك ان شاء الله في المرة القادمة لا تنسونا من صالح دعائكم
بسم الله الرحمان الرحيم
اللهم صل و سلم على سيدنا محمد النور و اله
نكمل ان شاء الله مع باقي الملاحظات
الملاحظة الثانية: تتعلق ببعض الدراسات و البحوث التي حاولت حصر التصوف الاسلامي ضمن دائرة البحث النفسي
و لعل هذا راجع الى بعض الاخطاء المنهجية في الدراسة. حيث حصر اصحابها انفسهم في دائرة التجربة الحسية وحدها ( و هذا ما تكلمنا عنه في السبب الخارجي لعدم فهم التصوف الاسلامي) و لم يدققوا في فهم مصطلحات الصوفية التي عبر اصحابها بها عن احوال وجدانية ذاتية لا تتصف بصفة العمومية فصنعوا-اصحاب الدراسة النفسية- منهج المماثلة
Analogical method
و هذا هو الخطا بعينه لتعذر ادراكهم للصوفي في حالاته الشعورية الخاصة مماثلة حقيقية و هم –اصحاب الدراسة-ليسوا من بصوفية حتى يتسنى لهم الادراك الحقيقي لتلك الاحوال.
هذا بالرغم من عدم انكارنا للرباط الوثيق الذي يصل علم النفس بعلم التصوف ، اذ يكاد موضوعهما واحد وهو النفس البشرية . اذ يكاد بعضهم لا يجد حرجا في القول بان التصوف هو علم آفات النفس ، يقول سيد حسن نصر في كتابه الصوفية بين الامس و اليوم : وفيما يتصل بعلم النفس فمن الجدير بالذكر ان الصوفية تشتمل على اسلوب مستوفي لشفاء أمراض النفس . و الروح وحدها تستطيع ان تعرف النفس و أن تضيئ زواياها المظلمة و أغوارها السحيقة ، و الانسان الذي حظيت نفسه بالتكامل و الاستنارة هو وحده يملك الحق و الوسيلة لشفاء نفوس الآخرين انتهى.
الملاحظة الثالثة و الأخيرة في الشريعة و الطريقة و الحقيقة او العلم الدني و مفهوم الباطنية عند اهل التصوف :
الشريعة هي الائتمار بالالتزام بالعبودية و الآمر هو الله و الشرع في اللغة : عبارة عن البيان و الاظهار فيقال شرع الله كذا أي جعله طريقا و مذهبا يذهب منه الى طاعته و منه اشتقت الشريعة ، فالشرع هو الدين و الملة و الناموس و كلها بمعنى واحد و الشريعة هي نوع الشرع.
و الطريقة هي السيرة المختصة بالسالكين الى الله تعالى مع قطع منازل السلوك و الترقي في المقامات.
والحقيقة من حق الشيء اذا اثبت و الحق في اللغة : هو الامر الثابت الذي لا يسوغ انكاره ، و في اصطلاح اهل المعاني هو الحكم الحق و يطلق على الاقوال و العقائد و الاديان و المذاهب ، و في البيان : حقيقة الشيء مطابقته للواقع.
فالشريعة ان تعبد الله و الطريقة ان تقصده و الحقيقة ان تشهده.
و يقول عليه الصلاة و السلام : ان العلم علمان : علم في القلب فذلك هو النافع ، و علم في اللسان : فذلك حجة الله على ابن ادم . اخرجه ابن الحكم عن سيدنا الحسن مرسلا.
و قال ايضا : علم الباطن سر من اسرار الله تعالى و حكمة من حكم الله تعالى يقذفه في قلوب من يشاء من عباده. اخرجه الديلمي عن سيدنا علي رضي
فالشريعة اذا ما ورد به التكليف و الحقيقة ما ورد به التعريف
فالشريعة مؤيده بالحقيقة ، و الحقيقة مقيده بالشريعة
فالشريعة خطاب الله لعباده و كلامه الذي ارسله الى عموم خلقه من امره و نهيه ليوضح لهم المحجة و يقيم عليهم الحجة.
والحقيقة ادراك تصرفه في خلقه و ارادته و مشيئته و هي سره الذي يختص به من اختاره من عباده .
و اجمالا فكل شريعة غير مؤيده بالحقيقة تحتاج الى اثبات الاخلاص فيها ، و كل حقيقة غير مقيدة بالشريعة غير مقبولة لعدم ارتباطها بالكتاب و السنة.
وهنا اطلق اصطلاح أهل الظاهر تعبيرا عن تعريف اهل العلم بظاهر الشرع و أهل الباطن أو اهل الحقيقة العرفاء بحقيقة هذا الظاهر أو بما يعرف بفقه باطن الأمر.
و اذا تبين لنا مفهوم الثلاثة: الشريعة و الطريقة و الحقيقة استطعنا ادراك ان العلم اللدني او الحقيقة (و هما لفظان لنفس المفهوم)
ليس سوى ثمرة العبودية لله و المتابعة للرسول صل الله عليه و اله و سلم ، و الصدق في العمل و الاخلاص فيه و بذل الجهد في تلقي العلم من مشكاة الرسول صل الله عليه و على اله و سلم كتابا و سنة و كمال الانقياد لذلك كله فيفتح للعبد باب من فقه كتاب الله ظاهر آياته و باطنها و الأمر كما يقول الامام علي رضي الله عنه و ارضاه و قد سئل هل خصكم رسول الله صلى الله عليه و سلم بشيء دون الناس فقال لا و الذي فلق الحبة و برأ النسمة الا فهم يؤتيه الله عبدا من عباده في كتابه انتهى.
فهذا هو العلم اللدني و دليله في قوله تعالى ( و اتقوا الله و يعلمكم الله) و أما من اعرض عن الكتاب و السنة و لم يتقيد بهما و لم يتغلغل فيهما فعلمه من لدن نفسه و شيطانه.
و انما يعرف كون العلم لدنيا من عند الله بشئ واحد وواحد فقط و هو موافقته لما جاء به الرسول صل الله عليه و سلم من ربه عز وجل.فالعلم اللدني الحقيقي رحماني و العلم اللدني الخيالي شيطاني (و هو ما اشتهر به الزنادقة و السحرة و غيرهم و العياذ بالله)
و المحكم الوحيد لذلك هو الوحي . فمن تدرج من العلم بظاهر الشرع الى باطنه كان ممن عمل بما علم فأورثه الله علم ما لم يعلم و ألهمه بصيرة يتذوق بها الحقيقة ، فيكون هذا العلم من لدن الله عز وجل فأقرب الناس من الله أكثرهم نصيبا من ذلك العلم .
فهذه العناصر الثلاثة المتقدمة الذكر بالتفصيل و التبيين هي المشاء اليها بقوله صلى الله عليه و سلم ( من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم) رواه ابو نعيم في الحلية عن انس بن مالك
فقوله من عمل : اشارة الى الطريقة
و قوله بما علم : اشارة الى الشريعة
و قوله : اورثه الله علم ما لم يعلم اشارة الى العلم اللدني او الحقيقة التي اكرم بها المتقين .
فهذه الملاحظة بطولها تنفي عن التصوف تهمة الباطنية بمعناها السلبي و المعروف اهلها بتسمية الباطنية و هم غلاة الشيعة خاصة لحملهم عقائد تهدم أسس الدين. يزعمون توارثها عن الأئمة من آل البيت الى حين خروج الامام الغائب المعصوم. و ساداتنا آل البيت بريئون من هذا القول بل انهم يحاربون هذه الطرق نفعنا الله بمحبتهم و حشرنا الله في زمرتهم مع سيدنا و حبيبنا و قرة اعيننا صلوات ربي و سلامه عليه.
الخـــــــــــاتـــــــــــــــــــمة:
تكلمنا في هذا الجزء من الموضوع عن التصوف و قلنا انه ليس منطقا عقليا له مقدمات يستلزم صدق نتائجها ووحدتها و انما هو معرفة ذوقية لدنية يهبها الله لمن يشاء.
و أنه يتعين على كل واحد أراد أن يفهم المعنى الصحيح للتصوف الاهتمام بكل من : الموضوع ، المنهج ، اللغة. و ذكرنا ان اساس الهجمة الشعواء التي يتعرض لها التصوف في عصرنا الحالي تتمركز حول الفهم الخاطئ لهذه الجوانب.
و و يمكننا احصاء اسباب سوء الفهم في ما يلي :
1-سبب خارجي وهو عدم ادراك ان التصوف علم ذوقي
2- سبب داخلي و هو صعوبة المصطلح الصوفي
3- نسبة التصوف الى عقائد بعيدة عن الدين كالبوذية و المسيحية من طرف العديد من دراسات للمستشرقين و التي تبناها في ما بعد العديد من المسلمين من غير تحقيق و لا بحث.
4- مصطلح الباطني و اللدني و ما ترتب من فهمه خطا بمعناهما السلبي.
الان بعد ما اصبحت الصورة واضحة جلية في ما يخص اللبس الذي قد يقف كعرقلة في سيرنا لابتغاء الحقيقة في الفهم الحقيقي لمعنى التصوف اصبح بامكاننا باذن الله الدخول و الشروع في صلب الموضوع معتمدين على الله في ذلك و سائلين منه المدد و ذلك ان شاء الله في المرة القادمة لا تنسونا من صالح دعائكم
aboezra- المدير العام
-
عدد الرسائل : 2933
العمر : 72
المزاج : معتدل
الاوسمة :
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 28/06/2008
رد: مفهوم التصوف و منظوره من وجهة الاسلام
الله
بسم الله الرحمان الرحيم
اللهم صل و سلم على سيدنا محمد النور و اله
اخوتي كيف حالكم ؟ اعتذر عن التاخير و كذلك عدم اشتغالي على الموضوع اسال الله سبحانه و تعالى ان يكفينا ما اهمنا بجاه المصطفى صل الله عليه و سلم.
اليوم نقلت لكم ما جاء في كتاب حقائق عن التصوف لـلاستاذ عبد القادر عيسى حرفيا ارجو من الله ان يصحح نياتنا و يرزقنا الاخلاص .
تعريف التصوف
قال القاضي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى:
(التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل
السعادة الأبدية) [على هامش "الرسالة القشيرية" ص ٧ توفي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري سنة
٩٢٩ ه].
ويقول الشيخ أحمد زروق رحمه الله:
(التصوف علم قصد لإصلاح القلوب، وإفرادها لله تعالى عما سواه. والفقه لإصلاح العمل، وحفظ
النظام، وظهور الحكمة بالأحكام. والأصول "علم التوحيد" لتحقيق المقدمات بالبراهين، وتحلية الإيمان
بالإيقان، كالطب لحفظ الأبدان، وكالنحو لإصلاح اللسان إلى غير ذلك) ["قواعد التصوف" قاعدة
١٣ ص ٦ لأبي العباس أحمد الشهير بزروق الفاسي، ولد سنة ٨٤٦ ه بمدينة فاس، وتوفي سنة
٨٩٩ ه في طرابلس الغرب].
قال سيد الطائفتين الإمام الجنيد رحمه الله:
(التصوف استعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دني) ["النصرة النبوية" للشيخ مصطفى المدني
ص ٢٢ . توفي الإمام الجنيد سنة ٢٩٧ ه].
وقال بعضهم:
(التصوف كله أخلاق، فمن زاد عليك بالأخلاق زاد عليك بالتصوف) ["النصرة النبوية" للشيخ
مصطفى المدني ص ٢٢ ، توفي الإمام الجنيد سنة ٢٩٧ ه].
وقال أبو الحسن الشاذلي رحمه الله:
(التصوف تدريب النفس على العبودية، وردها لأحكام الربوبية) ["نور التحقيق" للعلامة حامد
صقر ص ٩٣ . توفي أبو الحسن سنة ٦٥٦ ه في مصر].
وقال ابن عجيبة رحمه الله:
(التصوف: هو علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، وتصفية البواطن من الرذائل،
وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله علم، ووسطه عمل، وآخره موهبة) ["معراج التشوف إلى حقائق
.[ التصوف" لأحمد بن عجيبة الحسني ص ٤
وقال صاحب "كشف الظنون":
(هو علم يعرف به كيفية ترقي أهل الكمال من النوع الإنساني في مدارج سعاداتهم) إلى أن قال:
علم التصوف علم ليس يعرفه
وليس يعرفه من ليس يشهده
١
إلا أخو فطنةٍ بالحق معروف
وكيف يشهد ضوءَ الشمسِ مكفوف
١
.[٤١٤ - ["كشف الظنون" للعلامة حاجي خليفة ج ١/ص ٤١٣
وقال الشيخ زروق في قواعد التصوف:
(وقد حد التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ نحو الألفين، مرجع كلها لصدق التوجه إلى الله تعالى،
.[ وإنما هي وجوه فيه) ["قواعد التصوف" ص ٢
فعماد التصوف تصفية القلب من أوضار المادة، وقوامه صلة الإنسان بالخالق العظيم، فالصوفي من
صفا قلبه لله، وصفت لله معاملته، فصفت له من الله تعالى كرامته.
اشتقاق التصوف
كثرت الأقوال في اشتقاق التصوف، فمنهم من قال: (من الصوفة، لأن الصوفي مع الله تعالى
كالصوفة المطروحة، لاستسلامه لله تعالى) ["إيقاظ الهمم في شرح الحكم" للعلامة ابن عجيبة المتوفى
.[ سنة ١٢٦٦ ه ص
ومنهم من قال: (إنه من الصفَة، إذ جملته اتصاف بالمحاسن، وترك الأوصاف المذمومة) ["إيقاظ الهمم
.[ في شرح الحكم" للعلامة ابن عجيبة المتوفى سنة ١٢٦٦ ه ص ٦
ومنهم من قال: (من الصفاء)، حتى قال أبو الفتح البستي رحمه الله تعالى:
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا
ولست أمنح هذا الاسم غير فتى
١
وظنه البعض مشتقاً من الصوف
صفا فصوفي حتى سمي الصوفي
١
.[ ["إيقاظ الهمم في شرح الحكم" للعلامة ابن عجيبة المتوفى سنة ١٢٦٦ ه ص ٦
ومنهم من قال: (من الصفَّة، لأن صاحبه تابع لأهلها فيما أثبت الله لهم من الوصف) حيث قال تعالى:
.[ {واصبِر نفسك مع الذين يدعونَ ربهم...} [الكهف: ٢٨
وأهل الصفَّة هم الرعيل الأول من رجال التصوف، فقد كانت حياتهم التعبدية الخالصة المثل الأعلى
الذي استهدفه رجال التصوف في العصور الإسلامية المتتابعة.
وقيل: (من الصفوة) كما قال الإمام القشيري.
وقيل: (من الصف) فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث حضورهم مع الله تعالى ؛ وتسابقهم
في سائر الطاعات.
ومنهم من قال: (إن التصوف نسبة إلى لبس الصوف الخشن، لأن الصوفية كانوا يؤثرون لبسه
للتقشف والاخشيشان).
ومهما يكن من أمر، فإن التصوف أشهر من أن يحتاج في تعريفه إلى قياس لفظٍ، واحتياج اشتقاق.
وإنكار بعض الناس على هذا اللفظ بأنه لم يسمع في عهد الصحابة والتابعين مردود، إذ كثير من
الاصطلاحات أحدثت بعد زمان الصحابة، واستعملت ولم تنكَر، كالنحو والفقه والمنطق.
وعلى كلٌّ فإننا لا نهتم بالتعابير والألفاظ، بقَدرِ اهتمامنا بالحقائق والأسس. ونحن إذ ندعو إلى
التصوف إنما نقصد به تزكية النفوس وصفاء القلوب، وإصلاح الأخلاق، والوصول إلى مرتبة
الإحسان، نحن نسمي ذلك تصوفاً. وإن شئت فسمه الجانب الروحي في الإسلام، أو الجانب
الإحساني، أو الجانب الأخلاقي، أو سمه ما شئت مما يتفق مع حقيقته وجوهره؛ إلاَّ أن علماء الأمة قد
توارثوا اسم التصوف وحقيقته عن أسلافهم من المرشدين منذ صدر الإسلام حتى يومنا هذا، فصار
عرفاً فيهم.
بسم الله الرحمان الرحيم
اللهم صل و سلم على سيدنا محمد النور و اله
اخوتي كيف حالكم ؟ اعتذر عن التاخير و كذلك عدم اشتغالي على الموضوع اسال الله سبحانه و تعالى ان يكفينا ما اهمنا بجاه المصطفى صل الله عليه و سلم.
اليوم نقلت لكم ما جاء في كتاب حقائق عن التصوف لـلاستاذ عبد القادر عيسى حرفيا ارجو من الله ان يصحح نياتنا و يرزقنا الاخلاص .
تعريف التصوف
قال القاضي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى:
(التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل
السعادة الأبدية) [على هامش "الرسالة القشيرية" ص ٧ توفي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري سنة
٩٢٩ ه].
ويقول الشيخ أحمد زروق رحمه الله:
(التصوف علم قصد لإصلاح القلوب، وإفرادها لله تعالى عما سواه. والفقه لإصلاح العمل، وحفظ
النظام، وظهور الحكمة بالأحكام. والأصول "علم التوحيد" لتحقيق المقدمات بالبراهين، وتحلية الإيمان
بالإيقان، كالطب لحفظ الأبدان، وكالنحو لإصلاح اللسان إلى غير ذلك) ["قواعد التصوف" قاعدة
١٣ ص ٦ لأبي العباس أحمد الشهير بزروق الفاسي، ولد سنة ٨٤٦ ه بمدينة فاس، وتوفي سنة
٨٩٩ ه في طرابلس الغرب].
قال سيد الطائفتين الإمام الجنيد رحمه الله:
(التصوف استعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دني) ["النصرة النبوية" للشيخ مصطفى المدني
ص ٢٢ . توفي الإمام الجنيد سنة ٢٩٧ ه].
وقال بعضهم:
(التصوف كله أخلاق، فمن زاد عليك بالأخلاق زاد عليك بالتصوف) ["النصرة النبوية" للشيخ
مصطفى المدني ص ٢٢ ، توفي الإمام الجنيد سنة ٢٩٧ ه].
وقال أبو الحسن الشاذلي رحمه الله:
(التصوف تدريب النفس على العبودية، وردها لأحكام الربوبية) ["نور التحقيق" للعلامة حامد
صقر ص ٩٣ . توفي أبو الحسن سنة ٦٥٦ ه في مصر].
وقال ابن عجيبة رحمه الله:
(التصوف: هو علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، وتصفية البواطن من الرذائل،
وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله علم، ووسطه عمل، وآخره موهبة) ["معراج التشوف إلى حقائق
.[ التصوف" لأحمد بن عجيبة الحسني ص ٤
وقال صاحب "كشف الظنون":
(هو علم يعرف به كيفية ترقي أهل الكمال من النوع الإنساني في مدارج سعاداتهم) إلى أن قال:
علم التصوف علم ليس يعرفه
وليس يعرفه من ليس يشهده
١
إلا أخو فطنةٍ بالحق معروف
وكيف يشهد ضوءَ الشمسِ مكفوف
١
.[٤١٤ - ["كشف الظنون" للعلامة حاجي خليفة ج ١/ص ٤١٣
وقال الشيخ زروق في قواعد التصوف:
(وقد حد التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ نحو الألفين، مرجع كلها لصدق التوجه إلى الله تعالى،
.[ وإنما هي وجوه فيه) ["قواعد التصوف" ص ٢
فعماد التصوف تصفية القلب من أوضار المادة، وقوامه صلة الإنسان بالخالق العظيم، فالصوفي من
صفا قلبه لله، وصفت لله معاملته، فصفت له من الله تعالى كرامته.
اشتقاق التصوف
كثرت الأقوال في اشتقاق التصوف، فمنهم من قال: (من الصوفة، لأن الصوفي مع الله تعالى
كالصوفة المطروحة، لاستسلامه لله تعالى) ["إيقاظ الهمم في شرح الحكم" للعلامة ابن عجيبة المتوفى
.[ سنة ١٢٦٦ ه ص
ومنهم من قال: (إنه من الصفَة، إذ جملته اتصاف بالمحاسن، وترك الأوصاف المذمومة) ["إيقاظ الهمم
.[ في شرح الحكم" للعلامة ابن عجيبة المتوفى سنة ١٢٦٦ ه ص ٦
ومنهم من قال: (من الصفاء)، حتى قال أبو الفتح البستي رحمه الله تعالى:
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا
ولست أمنح هذا الاسم غير فتى
١
وظنه البعض مشتقاً من الصوف
صفا فصوفي حتى سمي الصوفي
١
.[ ["إيقاظ الهمم في شرح الحكم" للعلامة ابن عجيبة المتوفى سنة ١٢٦٦ ه ص ٦
ومنهم من قال: (من الصفَّة، لأن صاحبه تابع لأهلها فيما أثبت الله لهم من الوصف) حيث قال تعالى:
.[ {واصبِر نفسك مع الذين يدعونَ ربهم...} [الكهف: ٢٨
وأهل الصفَّة هم الرعيل الأول من رجال التصوف، فقد كانت حياتهم التعبدية الخالصة المثل الأعلى
الذي استهدفه رجال التصوف في العصور الإسلامية المتتابعة.
وقيل: (من الصفوة) كما قال الإمام القشيري.
وقيل: (من الصف) فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث حضورهم مع الله تعالى ؛ وتسابقهم
في سائر الطاعات.
ومنهم من قال: (إن التصوف نسبة إلى لبس الصوف الخشن، لأن الصوفية كانوا يؤثرون لبسه
للتقشف والاخشيشان).
ومهما يكن من أمر، فإن التصوف أشهر من أن يحتاج في تعريفه إلى قياس لفظٍ، واحتياج اشتقاق.
وإنكار بعض الناس على هذا اللفظ بأنه لم يسمع في عهد الصحابة والتابعين مردود، إذ كثير من
الاصطلاحات أحدثت بعد زمان الصحابة، واستعملت ولم تنكَر، كالنحو والفقه والمنطق.
وعلى كلٌّ فإننا لا نهتم بالتعابير والألفاظ، بقَدرِ اهتمامنا بالحقائق والأسس. ونحن إذ ندعو إلى
التصوف إنما نقصد به تزكية النفوس وصفاء القلوب، وإصلاح الأخلاق، والوصول إلى مرتبة
الإحسان، نحن نسمي ذلك تصوفاً. وإن شئت فسمه الجانب الروحي في الإسلام، أو الجانب
الإحساني، أو الجانب الأخلاقي، أو سمه ما شئت مما يتفق مع حقيقته وجوهره؛ إلاَّ أن علماء الأمة قد
توارثوا اسم التصوف وحقيقته عن أسلافهم من المرشدين منذ صدر الإسلام حتى يومنا هذا، فصار
عرفاً فيهم.
aboezra- المدير العام
-
عدد الرسائل : 2933
العمر : 72
المزاج : معتدل
الاوسمة :
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 28/06/2008
رد: مفهوم التصوف و منظوره من وجهة الاسلام
بسم الله الرحمان الرحيم
اللهم صل و سلم على سيدنا محمد النور و اله
نشأة علم التصوف
قد يتساءل الكثيرون عن السبب في عدم انتشار الدعوة إلى التصوف
في صدر الإسلام، وعدم ظهور هذه الدعوة إلا بعد عهد الصحابة والتابعين ؛ والسبب في هذا راجع الى امرين:
الامر الاول
ان عصر الرسول صل الله عليه و سلم كان عصر صحبة و الصحبة النبوية لها حرمتها و جلالها . و هي اشرف مودة روحية و امتن علاقة دينية و انسانية بين الرسول صل الله عليه و اله و سلم و صحابته الكرام رضي الله عنهم و على هذا الاساس اصبح من غير اللائق ان يتصف الصحابي بصفة اخرى من غير صفة الصحبة الطاهرة او يستبدل غيرها بها على وجه الاطلاق سواء كان ذلك في عصر النبوة او بعدها ما دام ذلك الصحابي حي يرزق
قال الطوسي: الصحبة مع الرسول صل الله عليه و سلم لها حرمة و تخصيص من شمله ذلك فال يجوز ان يعلق عليه اسم على انه اشرف من الصحبة و ذلك لشرف رسول الله صل الله عليه و سلم و حرمته
الامر الثاني :
ان الدين الاسلامي قد كان على عهد الرسول صل الله عليه و سلم و الخلفاء الراشدون متبلورا في جيلهم و زمانهم برمته من حيث الايمان و الاسلام و الاحسان فلم يتميز به احد عن اخيه في تادية ما اوجبه الله عليه فأهل هذا العصر كانوا أهل تقوى وورع، وأرباب مجاهدة
وإقبال على العبادة بطبيعتهم، وبحكم قرب اتصالهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا
يتسابقون ويتبارون في الإقتداء به في ذلك كله، فلم يكن ثمَّة ما يدعو إلى تلقينهم علماً يرشدهم إلى
أمرٍ هم قائمون به فعلاً، وإنما مثلهم في ذلك كله كمثل العربي الُقح، يعرف اللغة العربية بالتوارث
كابراً عن كابر؛ حتى إنه ليقرض الشعر البليغ بالسليقة والفطرة، دون أن يعرف شيئاَ من قواعد اللغة
والإعراب والنظم والقريض، فمثل هذا لا يلزمه أن يتعلم النحو ودروس البلاغة، ولكن علم النحو
وقواعد اللغة والشعر تصبح لازمة وضرورية عند تفشي اللحن، وضعف التعبير، أو لمن يريد من
الأجانب أن يتفهمها ويتعرف عليها، أو عندما يصبح هذا العلم ضرورة من ضرورات الاجتماع
كبقية العلوم التي نشأت وتألفت على توالي العصور في أوقاتها المناسبة.
فالصحابة والتابعون - وإن لم يتسموا باسم المتصوفين - كانوا صوفيين فعلاً وإن لم يكونوا كذلك
اسماً، وماذا يراد بالتصوف أكثر من أن يعيش المرء لربه لا لنفسه، ويتحلى بالزهد وملازمة العبودية،
والإقبال على الله بالروح والقلب في جميع الأوقات، وسائر الكمالات التي وصل بها الصحابة
والتابعون من حيث الرقي الروحي إلى أسمى الدرجات فهم لم يكتفوا بالإقرار في عقائد الإيمان، والقيام
بفروض الإسلام، بل قرنوا الإقرار بالتذوق والوجدان، وزادوا على الفروض الإتيان بكل ما استحبه
الرسول صلى الله عليه وسلم من نوافل العبادات، وابتعدوا عن المكروهات فضلاً عن المحرمات، حتى
استنارت بصائرهم، وتفجرت ينابيع الحكمة من قلوبهم، وفاضت الأسرار الربانية على جوانحهم.
وكذلك كان شأن التابعين وتابعي التابعين، وهذه العصور الثلاثة كانت أزهى عصور الإسلام وخيرها
على الإطلاق، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "خير القرون قرني هذا فالذي يليه
والذي يليه" ["خير الناس قرني هذا ثم الذين يلونهم.." أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب
الشهادات. وفي "صحيح مسلم" في فضائل الصحابة عن ابن مسعود رضي الله عنه].
فلما تقادم العهد، ودخل في حظيرة الإسلام ُأمم شتى، وأجناس عديدة، واتسعت دائرة العلوم،
وتقسمت وتوزعت بين أرباب الاختصاص؛ قام كل فريق بتدوين الفن والعلم الذي يجيده أكثر من
غيره، فنشأ - بعد تدوين النحو في الصدر الأول - علم الفقه، وعلم التوحيد، وعلوم الحديث،
وأصول الدين، والتفسير، والمنطق، ومصطلح الحديث، وعلم الأصول، والفرائض "الميراث" وغيرها..
وحدث بعد هذه الفترة أن أخذ التأثير الروحي يتضاءل شيئاً فشيئاً، وأخذ الناس يتناسون ضرورة
الإقبال على الله بالعبودية، وبالقلب والهمة، مما دعا أرباب الرياضة والزهد إلى أن يعملوا هم من
ناحيتهم أيضاً على تدوين علم التصوف، وإثبات شرفه وجلاله وفضله على سائر العلوم، ولم يكن
ذلك منهم احتجاجاً على انصراف الطوائف الأخرى إلى تدوين علومهم - كما يظن ذلك خطأً بعض
المستشرقين - بل كان يجب أن يكون سداً للنقص، واستكمالاً لحاجات الدين في جميع نواحي
النشاط، مما لا بد منه لحصول التعاون على تمهيد أسباب البر والتقوى " من بحث: التصوف من الوجهة التاريخية للدكتور أحمد علوش، وهو
من الرواد الأوائل الذين نقلوا حقائق التصوف الإسلامي إلى اللغات الأجنبية، وقد ألف فضيلته كتاباً
باللغة الإنكليزية عن التصوف الإسلامي، كان له أكبر الأثر في تصحيح الأفكار والرد على
المستشرقين كما ألف كتابه "الجامع" عن الإسلام الذي رد فيه على التهم المفتراة على دين الله، وكان
له أثره البعيد في خدمة هذا الدين].
وقد بنى أئمة الصوفية الأولون أصول طريقتهم على ما ثبت في تاريخ الإسلام نقلاً عن الثقات
الأعلام.
أما تاريخ التصوف فيظهر في فتوى للإمام الحافظ السيد محمد صديق الغماري رحمه الله، فقد سئل
عن أول من أسس التصوف ؟ وهل هو بوحي سماوي ؟ فأجاب:
(أما أول من أسس الطريقة، فلتعلم أن الطريقة أسسها الوحي السماوي في جملة ما أسس من الدين
المحمدي، إذ هي بلا شك مقام الإحسان الذي هو أحد أركان الدين الثلاثة التي جعلها النبي صلى الله
عليه وسلم بعد ما بينها واحداً واحداً ديناً بقوله: "هذا جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم دينكم"
[جزء من حديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان عن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه] وهو الإسلام والإيمان والإحسان.
فالإسلام طاعة وعبادة، والإيمان نور وعقيدة، والإحسان مقام مراقبة ومشاهدة: "أن تعبد الله كأنك
تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"...
ثم قال السيد محمد صديق الغماري في رسالته : (فإنه كما في الحديث عبارة عن الأركان
الثلاثة، فمن أخل بهذا المقام(الإحسان) الذي هو الطريقة-دون الاخذ بمقامي الاسلام و ايمان و التدرج فيهما_، فدينه ناقص بلا شك لتركه ركناً من
أركانه. فغاية ما تدعو إليه الطريقة وتشير إليه هو مقام الإحسان؛ بعد تصحيح الإسلام والإيمان)
["الانتصار لطريق الصوفية للمحدث محمد صديق الغماري].
اللهم صل و سلم على سيدنا محمد النور و اله
نشأة علم التصوف
قد يتساءل الكثيرون عن السبب في عدم انتشار الدعوة إلى التصوف
في صدر الإسلام، وعدم ظهور هذه الدعوة إلا بعد عهد الصحابة والتابعين ؛ والسبب في هذا راجع الى امرين:
الامر الاول
ان عصر الرسول صل الله عليه و سلم كان عصر صحبة و الصحبة النبوية لها حرمتها و جلالها . و هي اشرف مودة روحية و امتن علاقة دينية و انسانية بين الرسول صل الله عليه و اله و سلم و صحابته الكرام رضي الله عنهم و على هذا الاساس اصبح من غير اللائق ان يتصف الصحابي بصفة اخرى من غير صفة الصحبة الطاهرة او يستبدل غيرها بها على وجه الاطلاق سواء كان ذلك في عصر النبوة او بعدها ما دام ذلك الصحابي حي يرزق
قال الطوسي: الصحبة مع الرسول صل الله عليه و سلم لها حرمة و تخصيص من شمله ذلك فال يجوز ان يعلق عليه اسم على انه اشرف من الصحبة و ذلك لشرف رسول الله صل الله عليه و سلم و حرمته
الامر الثاني :
ان الدين الاسلامي قد كان على عهد الرسول صل الله عليه و سلم و الخلفاء الراشدون متبلورا في جيلهم و زمانهم برمته من حيث الايمان و الاسلام و الاحسان فلم يتميز به احد عن اخيه في تادية ما اوجبه الله عليه فأهل هذا العصر كانوا أهل تقوى وورع، وأرباب مجاهدة
وإقبال على العبادة بطبيعتهم، وبحكم قرب اتصالهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا
يتسابقون ويتبارون في الإقتداء به في ذلك كله، فلم يكن ثمَّة ما يدعو إلى تلقينهم علماً يرشدهم إلى
أمرٍ هم قائمون به فعلاً، وإنما مثلهم في ذلك كله كمثل العربي الُقح، يعرف اللغة العربية بالتوارث
كابراً عن كابر؛ حتى إنه ليقرض الشعر البليغ بالسليقة والفطرة، دون أن يعرف شيئاَ من قواعد اللغة
والإعراب والنظم والقريض، فمثل هذا لا يلزمه أن يتعلم النحو ودروس البلاغة، ولكن علم النحو
وقواعد اللغة والشعر تصبح لازمة وضرورية عند تفشي اللحن، وضعف التعبير، أو لمن يريد من
الأجانب أن يتفهمها ويتعرف عليها، أو عندما يصبح هذا العلم ضرورة من ضرورات الاجتماع
كبقية العلوم التي نشأت وتألفت على توالي العصور في أوقاتها المناسبة.
فالصحابة والتابعون - وإن لم يتسموا باسم المتصوفين - كانوا صوفيين فعلاً وإن لم يكونوا كذلك
اسماً، وماذا يراد بالتصوف أكثر من أن يعيش المرء لربه لا لنفسه، ويتحلى بالزهد وملازمة العبودية،
والإقبال على الله بالروح والقلب في جميع الأوقات، وسائر الكمالات التي وصل بها الصحابة
والتابعون من حيث الرقي الروحي إلى أسمى الدرجات فهم لم يكتفوا بالإقرار في عقائد الإيمان، والقيام
بفروض الإسلام، بل قرنوا الإقرار بالتذوق والوجدان، وزادوا على الفروض الإتيان بكل ما استحبه
الرسول صلى الله عليه وسلم من نوافل العبادات، وابتعدوا عن المكروهات فضلاً عن المحرمات، حتى
استنارت بصائرهم، وتفجرت ينابيع الحكمة من قلوبهم، وفاضت الأسرار الربانية على جوانحهم.
وكذلك كان شأن التابعين وتابعي التابعين، وهذه العصور الثلاثة كانت أزهى عصور الإسلام وخيرها
على الإطلاق، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "خير القرون قرني هذا فالذي يليه
والذي يليه" ["خير الناس قرني هذا ثم الذين يلونهم.." أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب
الشهادات. وفي "صحيح مسلم" في فضائل الصحابة عن ابن مسعود رضي الله عنه].
فلما تقادم العهد، ودخل في حظيرة الإسلام ُأمم شتى، وأجناس عديدة، واتسعت دائرة العلوم،
وتقسمت وتوزعت بين أرباب الاختصاص؛ قام كل فريق بتدوين الفن والعلم الذي يجيده أكثر من
غيره، فنشأ - بعد تدوين النحو في الصدر الأول - علم الفقه، وعلم التوحيد، وعلوم الحديث،
وأصول الدين، والتفسير، والمنطق، ومصطلح الحديث، وعلم الأصول، والفرائض "الميراث" وغيرها..
وحدث بعد هذه الفترة أن أخذ التأثير الروحي يتضاءل شيئاً فشيئاً، وأخذ الناس يتناسون ضرورة
الإقبال على الله بالعبودية، وبالقلب والهمة، مما دعا أرباب الرياضة والزهد إلى أن يعملوا هم من
ناحيتهم أيضاً على تدوين علم التصوف، وإثبات شرفه وجلاله وفضله على سائر العلوم، ولم يكن
ذلك منهم احتجاجاً على انصراف الطوائف الأخرى إلى تدوين علومهم - كما يظن ذلك خطأً بعض
المستشرقين - بل كان يجب أن يكون سداً للنقص، واستكمالاً لحاجات الدين في جميع نواحي
النشاط، مما لا بد منه لحصول التعاون على تمهيد أسباب البر والتقوى " من بحث: التصوف من الوجهة التاريخية للدكتور أحمد علوش، وهو
من الرواد الأوائل الذين نقلوا حقائق التصوف الإسلامي إلى اللغات الأجنبية، وقد ألف فضيلته كتاباً
باللغة الإنكليزية عن التصوف الإسلامي، كان له أكبر الأثر في تصحيح الأفكار والرد على
المستشرقين كما ألف كتابه "الجامع" عن الإسلام الذي رد فيه على التهم المفتراة على دين الله، وكان
له أثره البعيد في خدمة هذا الدين].
وقد بنى أئمة الصوفية الأولون أصول طريقتهم على ما ثبت في تاريخ الإسلام نقلاً عن الثقات
الأعلام.
أما تاريخ التصوف فيظهر في فتوى للإمام الحافظ السيد محمد صديق الغماري رحمه الله، فقد سئل
عن أول من أسس التصوف ؟ وهل هو بوحي سماوي ؟ فأجاب:
(أما أول من أسس الطريقة، فلتعلم أن الطريقة أسسها الوحي السماوي في جملة ما أسس من الدين
المحمدي، إذ هي بلا شك مقام الإحسان الذي هو أحد أركان الدين الثلاثة التي جعلها النبي صلى الله
عليه وسلم بعد ما بينها واحداً واحداً ديناً بقوله: "هذا جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم دينكم"
[جزء من حديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان عن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه] وهو الإسلام والإيمان والإحسان.
فالإسلام طاعة وعبادة، والإيمان نور وعقيدة، والإحسان مقام مراقبة ومشاهدة: "أن تعبد الله كأنك
تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"...
ثم قال السيد محمد صديق الغماري في رسالته : (فإنه كما في الحديث عبارة عن الأركان
الثلاثة، فمن أخل بهذا المقام(الإحسان) الذي هو الطريقة-دون الاخذ بمقامي الاسلام و ايمان و التدرج فيهما_، فدينه ناقص بلا شك لتركه ركناً من
أركانه. فغاية ما تدعو إليه الطريقة وتشير إليه هو مقام الإحسان؛ بعد تصحيح الإسلام والإيمان)
["الانتصار لطريق الصوفية للمحدث محمد صديق الغماري].
aboezra- المدير العام
-
عدد الرسائل : 2933
العمر : 72
المزاج : معتدل
الاوسمة :
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 28/06/2008
رد: مفهوم التصوف و منظوره من وجهة الاسلام
قال ابن خلدون في مقدمته:
(وهذا العلم - يعني التصوف - من العلوم الشرعية الحادثة في الملَّة ؛ وأصله أن طريقة هؤلاء القوم
لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية، وأصلها
العكوف على العبادة، والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد في ما
يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق، والخلوة للعبادة، وكان ذلك عاماً في
الصحابة والسلف. فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة
.[ الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية). و في قوله ان هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة لا يضر التصوف و لا اهله في شي من حيث ان العلوم الشرعية و حتى علوم اللغة و ادابها بعد الكتاب و السنة قد احتاج الناس الى بيان دقائق الايات في معانيها و الفاظها و كذلك في السنة احدثوا علوما كعلم التفسير و علم الحديث و الفقه و اصول الدين و غير ذلك من العلوم الشرعية فعلم التصوف حادث كما تبين لنا لانه بني على اتباع الكتاب و السنة و متابعة الرسول صل الله عليه و سلم في اخلاقه.
ويعنينا من عبارة ابن خلدون الفقرة الأخيرة كذلك، التي يقرر فيها أن ظهور التصوف والصوفية كان
نتيجة جنوح الناس إلى مخالطة الدنيا وأهلها في القرن الثاني للهجرة، فإن ذلك من شأنه أن يتخذ
المقبلون على العبادة اسماً يميزهم عن عامة الناس الذين ألهتهم الحياة الدنيا الفانية.
فصيغة التصوف اللفظية معروفة لدى المسلمين الا من بعد ما انتشرت الفتوحات الاسلامية و اتسعت رقعة ارض المسلمين و اختلط العرب بالعجم و عربت كتب فلاسفة اليونان و ادباء الفرس فتسربت منهم بعض الافكار الى عقول المسلمين فبلبلتها و اجنحت باصحابها الى كثير من المراء و الشك و التشكيك فحاد بعضهم عن سبيل الدين و ان كانوا يسمون مسلمين و ظهرت البدع و الغفلة عن الله جهلا بمقتضى الدين و اعراضا عن علم اليقين.فعندئذ قيض الله لخدمة الدين ثلاث طوائف من الذين سبقت لهم الحسنى
الطائفة الاولى تعلقت باحاديث النبي صل الله عليه و سلم فجالت الاقطار بحثا عن الثقاة من الرواة حتى نقلت عنهم ما صح من اخباره صل الله عليه و سلم و عرفت هذه الطائفة بالمحدثين
الطائفة الثانيةاشتغلت بالتفقه في الدين فتلقت هذه الطائفة احاديث الرسول صل الله عليه و سلم من المحدثين و اتفقت معهم في معاني علومهم ورسومهم ثم خصت بفهم مدلولات الاحاديث و الاستنباط في فقهها و التعمق بدقيق النظر في ترتيب الاحكام و حدود الدين و اصول الشرع الحكيم فبينت الناسخ و المنسوخ من الكتاب و السنة و ميزت الاصول عن الفروع و الخصوص من العموم ....معتمدة في ذلك على الكتاب و السنة و الاجماع و القياس و عرفت هذه الطائفة باسم الفقهاء
الطائفة الثالثة
الزمت نفسها بالبحث عن اعمال جارحة القلب المعروفة عندهم بعلم الباطن و هم الصوفية
وقد أورد صاحب "كشف الظنون" في حديثه عن علم التصوف كلاماً للإمام القشيري قال فيه: (اعلموا
أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسم أفاضلهم في عصرهم بتسمية عِلْمٍ سوى
صحبة الرسول عليه الصلاة والسلام، إذ لا أفضلية فوقها، فقيل لهم الصحابة، ثم اختلف الناس
وتباينت المراتب، فقيل لخواص الناس - ممن لهم شدة عناية بأمر الدين - الزهاد والعباد، ثم ظهرت
البدعة، وحصل التداعي بين الفرق، فكل فريق ادعوا أن فيهم زهاداً، فانفرد خواص أهل السنة
المراعون أنفسهم مع الله سبحانه وتعالى، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف، واشتهر
هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة) من هذه النصوص السابقة، يتبين لنا أن التصوف ليس أمراً مستحدثاً جديداً؛ ولكنه مأخوذ من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه الكرام، كما أنه ليس مستقى من ُأصول لا تمت
إلى الإسلام بصلة، كما يزعم أعداء الإسلام من المستشرقين وتلامذتهم الذين ابتدعوا أسماءً مبتكرة،
فأطلقوا اسم التصوف على الرهبنة البوذية، والكهانة النصرانية، والشعوذة الهندية فقالوا: هناك
تصوف بوذي وهندي ونصراني وفارسي...
أهمية التصوف
إن التكاليف الشرعية التي ُأمر بها الإنسان في خاصة نفسه ترجع إلى قسمين: أحكام تتعلق بالأعمال
الظاهرة، وأحكام تتعلق بالأعمال الباطنة، أو بعبارة أخرى: أحكام تتعلق ببدن الإنسان وجسمه،
وأعمال تتعلق بقلبه.
فالأعمال الجسمية نوعان: أوامر ونواهٍ ؛ فالأوامر الإلهية هي: كالصلاة والزكاة والحج... وأما
النواهي فهي: كالقتل والزنى والسرقة وشرب الخمر...
وأما الأعمال القلبية فهي أيضاً: أوامر ونواهٍ ؛ أما الأوامر: فكالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله...
وكالإخلاص والرضا والصدق والخشوع والتوكل... وأما النواهي: فكالكفر والنفاق والكبر
والعجب والرياء والغرور والحقد والحسد. وهذا القسم الثاني المتعلق بالقلب أهم من القسم الأول
عند الشارع - وإن كان الكل مهماً - لأن الباطن أساس الظاهر ومصدره، وأعماله مبدأ أعمال
الظاهر، ففي فساده إخلال بقيمة الأعمال الظاهرة، وفي ذلك قال تعالى:
.[ {فمن كان يرجو لقاءَ ربه فلْيعملْ عملاً صالحاً ولا يشرِك بعبادة ربه أحداً}[الكهف: ١١٠
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجه اهتمام الصحابة لإصلاح قلوبهم، ويبين لهم أن
صلاح الإنسان متوقف على إصلاح قلبه وشفائه من الأمراض الخفية والعلل الكامنة، وهو الذي
يقول: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا
وهي القلب" [رواه البخاري ومسلم
كما كان عليه الصلاة والسلام يعلمهم أن محل نظر الله إلى عباده إنما هو القلب: "إن الله لا ينظر إلى
أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم" .فما دام صلاح الإنسان مربوطاً بصلاح قلبه الذي هو مصدر أعماله الظاهرة، تعين عليه العمل على إصلاحه بتخليته من الصفات المذمومة التي نهانا الله عنها، وتحليته بالصفات الحسنة التي أمرنا الله بها،
وعندئذٍ يكون القلب سليماً صحيحاً، ويكون صاحبه من الفائزين الناجين {يوم لا ينفع مالٌ ولا بنونَ
.[ إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليمٍ} [الشعراء: 77
قال الإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله: (وأما علم القلب ومعرفة أمراضه من الحسد والعجب
.[ والرياء ونحوها، فقال الغزالي: إنها فرض عين) ["الأشباه والنظائر" للسيوطي
فتنقية القلب، وتهذيب النفس، من أهم الفرائض العينية وأوجب الأوامر الإلهية، بدليل ما ورد في
الكتاب والسنة وأقوال العلماء.
وعلى هذا فسلامة الإنسان في آخرته هي في سلامة قلبه، ونجاته في نجاته من أمراضه المذكورة.
وقد تخفى على الإنسان بعض عيوب نفسه، وتدق عليه علل قلبه، فيعتقد في نفسه الكمال، وهو
أبعد ما يكون عنه، فما السبيل إلى اكتشاف أمراضه، والتعرف على دقائق علل قلبه ؟ وما الطريق
العملي إلى معالجة هذه الأمراض، والتخلص منها ؟
إن التصوف هو الذي اختص بمعالجة الأمراض القلبية، وتزكية النفس والتخلص من صفاتها
الناقصة قال ابن زكوان في فائدة التصوف وأهميته:
علم به تصفيُة البواطن مِن كدرات النفس في المواطن
قال العلامة المنجوري في شرح هذا البيت: (التصوف علم يعرف به كيفية تصفية الباطن من
كدرات النفس، أي عيوبها وصفاتها المذمومة كالغل والحقد والحسد والغش وحب الثناء والكبر
والرياء والغضب والطمع والبخل وتعظيم الأغنياء والاستهانة بالفقراء، لأن علم التصوف يطلع على
العيب والعلاج وكيفيته، فبعلم التصوف يتوصل إلى قطع عقبات النفس والتتره عن أخلاقها المذمومة
وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل بذلك إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى، وتحليته بذكر الله سبحانه
وتعالى أما تحلية النفس بالصفات الكاملة ؛ كالتوبة والتقوى والاستقامة والصدق والإخلاص والزهد
والورع والتوكل والرضا والتسليم والأدب والمحبة والذكر والمراقبة... فللصوفية بذلك الحظ الأوفر
من الوراثة النبوية، في العلم والعمل.
قد رفضوا الآثام والعيوبا وطهروا الأبدانَ والقلوبا
وبلغوا حقيقة الإيمان وانتهجوا مناهج الإحسان
فالتصوف هو الذي اهتم بهذا الجانب القلبي بالإضافة إلى ما يقابله من العبادات البدنية والمالية،
ورسم الطريق العملي الذي يوصل المسلم إلى أعلى درجات الكمال الإيماني وا ُ لخُلقي، وليس - كما
يظن بعض الناس - قراءةَ أوراد وحِلَقات أذكار فحسب، فلقد غاب عن أذهان الكثيرين، أن التصوف
منهج عملي كامل، يحقق انقلاب الإنسان من شخصية امارة بالسوء إلى شخصية مسلمة مثالية متكاملة،
وذلك من الناحية الإيمانية السليمة، والعبادة الخالصة، والمعاملة الصحيحة الحسنة،والأخلاق الفاضلة.
ومن هنا تظهر أهمية التصوف وفائدته، ويتجلى لنا بوضوح، أنه روح الإسلام وقلبه النابض، إذ
ليس هذا الدين أعمالاً ظاهرية وأموراً شكلية فحسب لا روح فيها ولا حياة.
وما وصل المسلمون إلى هذا الدرك من الانحطاط والضعف إلا حين فقدوا روح الإسلام وجوهره،
ولم يبق فيهم إلا شبحه ومظاهره.
(وهذا العلم - يعني التصوف - من العلوم الشرعية الحادثة في الملَّة ؛ وأصله أن طريقة هؤلاء القوم
لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية، وأصلها
العكوف على العبادة، والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد في ما
يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق، والخلوة للعبادة، وكان ذلك عاماً في
الصحابة والسلف. فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة
.[ الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية). و في قوله ان هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة لا يضر التصوف و لا اهله في شي من حيث ان العلوم الشرعية و حتى علوم اللغة و ادابها بعد الكتاب و السنة قد احتاج الناس الى بيان دقائق الايات في معانيها و الفاظها و كذلك في السنة احدثوا علوما كعلم التفسير و علم الحديث و الفقه و اصول الدين و غير ذلك من العلوم الشرعية فعلم التصوف حادث كما تبين لنا لانه بني على اتباع الكتاب و السنة و متابعة الرسول صل الله عليه و سلم في اخلاقه.
ويعنينا من عبارة ابن خلدون الفقرة الأخيرة كذلك، التي يقرر فيها أن ظهور التصوف والصوفية كان
نتيجة جنوح الناس إلى مخالطة الدنيا وأهلها في القرن الثاني للهجرة، فإن ذلك من شأنه أن يتخذ
المقبلون على العبادة اسماً يميزهم عن عامة الناس الذين ألهتهم الحياة الدنيا الفانية.
فصيغة التصوف اللفظية معروفة لدى المسلمين الا من بعد ما انتشرت الفتوحات الاسلامية و اتسعت رقعة ارض المسلمين و اختلط العرب بالعجم و عربت كتب فلاسفة اليونان و ادباء الفرس فتسربت منهم بعض الافكار الى عقول المسلمين فبلبلتها و اجنحت باصحابها الى كثير من المراء و الشك و التشكيك فحاد بعضهم عن سبيل الدين و ان كانوا يسمون مسلمين و ظهرت البدع و الغفلة عن الله جهلا بمقتضى الدين و اعراضا عن علم اليقين.فعندئذ قيض الله لخدمة الدين ثلاث طوائف من الذين سبقت لهم الحسنى
الطائفة الاولى تعلقت باحاديث النبي صل الله عليه و سلم فجالت الاقطار بحثا عن الثقاة من الرواة حتى نقلت عنهم ما صح من اخباره صل الله عليه و سلم و عرفت هذه الطائفة بالمحدثين
الطائفة الثانيةاشتغلت بالتفقه في الدين فتلقت هذه الطائفة احاديث الرسول صل الله عليه و سلم من المحدثين و اتفقت معهم في معاني علومهم ورسومهم ثم خصت بفهم مدلولات الاحاديث و الاستنباط في فقهها و التعمق بدقيق النظر في ترتيب الاحكام و حدود الدين و اصول الشرع الحكيم فبينت الناسخ و المنسوخ من الكتاب و السنة و ميزت الاصول عن الفروع و الخصوص من العموم ....معتمدة في ذلك على الكتاب و السنة و الاجماع و القياس و عرفت هذه الطائفة باسم الفقهاء
الطائفة الثالثة
الزمت نفسها بالبحث عن اعمال جارحة القلب المعروفة عندهم بعلم الباطن و هم الصوفية
وقد أورد صاحب "كشف الظنون" في حديثه عن علم التصوف كلاماً للإمام القشيري قال فيه: (اعلموا
أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسم أفاضلهم في عصرهم بتسمية عِلْمٍ سوى
صحبة الرسول عليه الصلاة والسلام، إذ لا أفضلية فوقها، فقيل لهم الصحابة، ثم اختلف الناس
وتباينت المراتب، فقيل لخواص الناس - ممن لهم شدة عناية بأمر الدين - الزهاد والعباد، ثم ظهرت
البدعة، وحصل التداعي بين الفرق، فكل فريق ادعوا أن فيهم زهاداً، فانفرد خواص أهل السنة
المراعون أنفسهم مع الله سبحانه وتعالى، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف، واشتهر
هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة) من هذه النصوص السابقة، يتبين لنا أن التصوف ليس أمراً مستحدثاً جديداً؛ ولكنه مأخوذ من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه الكرام، كما أنه ليس مستقى من ُأصول لا تمت
إلى الإسلام بصلة، كما يزعم أعداء الإسلام من المستشرقين وتلامذتهم الذين ابتدعوا أسماءً مبتكرة،
فأطلقوا اسم التصوف على الرهبنة البوذية، والكهانة النصرانية، والشعوذة الهندية فقالوا: هناك
تصوف بوذي وهندي ونصراني وفارسي...
أهمية التصوف
إن التكاليف الشرعية التي ُأمر بها الإنسان في خاصة نفسه ترجع إلى قسمين: أحكام تتعلق بالأعمال
الظاهرة، وأحكام تتعلق بالأعمال الباطنة، أو بعبارة أخرى: أحكام تتعلق ببدن الإنسان وجسمه،
وأعمال تتعلق بقلبه.
فالأعمال الجسمية نوعان: أوامر ونواهٍ ؛ فالأوامر الإلهية هي: كالصلاة والزكاة والحج... وأما
النواهي فهي: كالقتل والزنى والسرقة وشرب الخمر...
وأما الأعمال القلبية فهي أيضاً: أوامر ونواهٍ ؛ أما الأوامر: فكالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله...
وكالإخلاص والرضا والصدق والخشوع والتوكل... وأما النواهي: فكالكفر والنفاق والكبر
والعجب والرياء والغرور والحقد والحسد. وهذا القسم الثاني المتعلق بالقلب أهم من القسم الأول
عند الشارع - وإن كان الكل مهماً - لأن الباطن أساس الظاهر ومصدره، وأعماله مبدأ أعمال
الظاهر، ففي فساده إخلال بقيمة الأعمال الظاهرة، وفي ذلك قال تعالى:
.[ {فمن كان يرجو لقاءَ ربه فلْيعملْ عملاً صالحاً ولا يشرِك بعبادة ربه أحداً}[الكهف: ١١٠
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجه اهتمام الصحابة لإصلاح قلوبهم، ويبين لهم أن
صلاح الإنسان متوقف على إصلاح قلبه وشفائه من الأمراض الخفية والعلل الكامنة، وهو الذي
يقول: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا
وهي القلب" [رواه البخاري ومسلم
كما كان عليه الصلاة والسلام يعلمهم أن محل نظر الله إلى عباده إنما هو القلب: "إن الله لا ينظر إلى
أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم" .فما دام صلاح الإنسان مربوطاً بصلاح قلبه الذي هو مصدر أعماله الظاهرة، تعين عليه العمل على إصلاحه بتخليته من الصفات المذمومة التي نهانا الله عنها، وتحليته بالصفات الحسنة التي أمرنا الله بها،
وعندئذٍ يكون القلب سليماً صحيحاً، ويكون صاحبه من الفائزين الناجين {يوم لا ينفع مالٌ ولا بنونَ
.[ إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليمٍ} [الشعراء: 77
قال الإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله: (وأما علم القلب ومعرفة أمراضه من الحسد والعجب
.[ والرياء ونحوها، فقال الغزالي: إنها فرض عين) ["الأشباه والنظائر" للسيوطي
فتنقية القلب، وتهذيب النفس، من أهم الفرائض العينية وأوجب الأوامر الإلهية، بدليل ما ورد في
الكتاب والسنة وأقوال العلماء.
وعلى هذا فسلامة الإنسان في آخرته هي في سلامة قلبه، ونجاته في نجاته من أمراضه المذكورة.
وقد تخفى على الإنسان بعض عيوب نفسه، وتدق عليه علل قلبه، فيعتقد في نفسه الكمال، وهو
أبعد ما يكون عنه، فما السبيل إلى اكتشاف أمراضه، والتعرف على دقائق علل قلبه ؟ وما الطريق
العملي إلى معالجة هذه الأمراض، والتخلص منها ؟
إن التصوف هو الذي اختص بمعالجة الأمراض القلبية، وتزكية النفس والتخلص من صفاتها
الناقصة قال ابن زكوان في فائدة التصوف وأهميته:
علم به تصفيُة البواطن مِن كدرات النفس في المواطن
قال العلامة المنجوري في شرح هذا البيت: (التصوف علم يعرف به كيفية تصفية الباطن من
كدرات النفس، أي عيوبها وصفاتها المذمومة كالغل والحقد والحسد والغش وحب الثناء والكبر
والرياء والغضب والطمع والبخل وتعظيم الأغنياء والاستهانة بالفقراء، لأن علم التصوف يطلع على
العيب والعلاج وكيفيته، فبعلم التصوف يتوصل إلى قطع عقبات النفس والتتره عن أخلاقها المذمومة
وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل بذلك إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى، وتحليته بذكر الله سبحانه
وتعالى أما تحلية النفس بالصفات الكاملة ؛ كالتوبة والتقوى والاستقامة والصدق والإخلاص والزهد
والورع والتوكل والرضا والتسليم والأدب والمحبة والذكر والمراقبة... فللصوفية بذلك الحظ الأوفر
من الوراثة النبوية، في العلم والعمل.
قد رفضوا الآثام والعيوبا وطهروا الأبدانَ والقلوبا
وبلغوا حقيقة الإيمان وانتهجوا مناهج الإحسان
فالتصوف هو الذي اهتم بهذا الجانب القلبي بالإضافة إلى ما يقابله من العبادات البدنية والمالية،
ورسم الطريق العملي الذي يوصل المسلم إلى أعلى درجات الكمال الإيماني وا ُ لخُلقي، وليس - كما
يظن بعض الناس - قراءةَ أوراد وحِلَقات أذكار فحسب، فلقد غاب عن أذهان الكثيرين، أن التصوف
منهج عملي كامل، يحقق انقلاب الإنسان من شخصية امارة بالسوء إلى شخصية مسلمة مثالية متكاملة،
وذلك من الناحية الإيمانية السليمة، والعبادة الخالصة، والمعاملة الصحيحة الحسنة،والأخلاق الفاضلة.
ومن هنا تظهر أهمية التصوف وفائدته، ويتجلى لنا بوضوح، أنه روح الإسلام وقلبه النابض، إذ
ليس هذا الدين أعمالاً ظاهرية وأموراً شكلية فحسب لا روح فيها ولا حياة.
وما وصل المسلمون إلى هذا الدرك من الانحطاط والضعف إلا حين فقدوا روح الإسلام وجوهره،
ولم يبق فيهم إلا شبحه ومظاهره.
aboezra- المدير العام
-
عدد الرسائل : 2933
العمر : 72
المزاج : معتدل
الاوسمة :
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 28/06/2008
مواضيع مماثلة
» التصوف فى الاسلام
» مفهوم أمن الإتصالات
» مفهوم جديد للعولمة...
» مفهوم الصداقة ((دعوة للنقاش))
» وجهة نظر عن الرقيا الشرعية
» مفهوم أمن الإتصالات
» مفهوم جديد للعولمة...
» مفهوم الصداقة ((دعوة للنقاش))
» وجهة نظر عن الرقيا الشرعية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى