خواطر الحمار .. (2)
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
خواطر الحمار .. (2)
كمال قرور-كاتب وصحفي -الجزائر
السيد "المير"
لما قصدت البلدية كنت أظن العملية سهلة، ولن تتطلب إلا بعض الدقائق لأحصل على وثيقة الشفاعة ممضاة من طرف شيخ البلدية.. ولكني كنت أسمع عن "الشواش" الذين يضعونهم على الأبواب"لنش الغاشي" كما ينش الذباب وغالبا يكونون من ذوي السن المتقدمة المحنكين بالتجربة والصبر على الشدائد ومطالب المواطنين المتكررة .. وفوجئت بادئ الأمر لما قابلني شاب بوجهه المكفهر الغاضب وأخبرني أنه "الشاوش" فاختلطت علي الأمور..
قال :واش تحوس يا حمار..
قلت له متبسما: أريد مقابلة شيخ البلدية من فضلك..
قال: ومن تكون سيادتك أيها البهيم ؟
قلت: مواطن..
فضحك ضحكة ساخرة وقال: حمار مواطن ولا تعرف قوانين الوطن،، يالك من مغفل..
قلت: والله، أنا أعرف القوانين جيدا، ولست هنا لأسمع محاضرة في القانون.. وما دام المسؤول في هذا المكان ، فالفضل يعود إلى المواطنين المنتخبين الذين زكوه، ومن اللباقة والكياسة أن لا يتنكر هذا المسؤول لهم ويقلب « الفيستة »
قال الشاوش: يبدو من خلال لغتك الفصحى السليمة أنك حمار مشرقي، هل أنت من الحجاز أم من الشام أيها الحمار؟ أم تراك مصري ؟ قلت: أنا حمار نوميدي .. ثم ما دخلك..؟ هل أنت شاوش أم مخبر أم جمركي ؟.. ثم متى كانت اللغة الفصحى حكرا على أهل الحجاز والشام أولم تقرأ خطبة القائد البربري طارق بن زياد العصماء التي ألقاها بعد أن وطئت قدماه جنة الأندلس.. ألم تقرأ مقدمة ابن خلدون وتاريخه؟
قال: الزم حدودك من فضلك.. أنا إطار جامعي تخصصي علمي، ولا أعرف من تتحدث عنهم، بعد أن درست النظريات العلمية وارتفعت بها إلى السماء رماني حظي السيئ إلى هذا المكان وأقبض راتبي في إطار"الشبكة الاجتماعية" الوضيعة.. وانصرفْ، لأن يوم الاستقبال هو يوم الأحد فقط من التاسعة إلى منتصف النهار وبموعد مسبق مع تحديد المشكل مسبقا..
انصرفت وعدت يوم الأحد فوجدت طابورا طويلا.. صبرت وكنت من المحظوظين بعد أن افترشت الليلة كاملة الكارتون من أجل أن أكون من الأوائل في الغد.. كان مكتب السيد "المير" فخما مكيفا مؤثثا أحسن تأثيث وبقربه جهاز تلفزيون من الحجم الكبير.. ووراءه صورة ضخمة للحاكم وعلى مكتبه جهاز إعلام آلي آخر طراز.. وبالقرب منه سكرتيرة بـــ »المكر وجيب » وفي أبهى زينتها وتعطرها وكأنها في حفلة خاصة.. ولأنه يحب إبهار المواطنين قال مرحبا: تفضل أيها الحمار..نحن في الخدمة وكما ترى فأنا أتدرب على تكنولوجيا الاتصال الحديث حتى نواكب العصر ..
قلت : شيء رائع يا سيادة المير أن يواكب الإنسان عصره .. ولما عرف قصتي قال لي: لا بد من إحضار ملف كامل من مائة وثيقة مصورة في عشر نسخ .. وبعد جهد كبير أحضرت له كل الوثائق المطلوبة مصورة..
استقبلني كالعادة بوجه بشوش وكان مكتبه يفوح عطرا ويغري بأشياء كثيرة..
قال: لقد وصل أخيرا فاكس من ديوان الحاكم، ويبدو أنه تأخر في الطريق. أنت تعرف زحمة المواصلات.. وبينما تكفل فريق من عمال البلدية بدراسة الوثائق، وجدوا كل شيء على ما يرام، وظننت أن المشكلة حُلّت، ولكني فوجئت به يخرج لي ورقة انتخابي من درجه ويقول لي متبسما: لقد انتخبت ولم تمتنع عن الانتخاب كما امتنع بعض أعداء الديمقراطية عن هذا الواجب المقدس، ولكنك لم تنتخب على شخصي وانتخبت على منافسي، وهذا يعني أني لم أعجبك، ومادمت صوت ضدي فإنك صوت ضد الوطن وضد الجمهورية، وهذا يعني أنك لا تعرف مصلحتك، ومازلت غير ناضج.. قلت: الانتخاب فعل حر وإرادي.. وأنا لم أنتخب على شخص، وإنما انتخبت على برنامج مقترح في الحملة الانتخابية.. وما دام الاقتراع يقتضي السرية، فلست أدري كيف تسمحون لأنفسكم بالتجسس على أصوات الناخبين..
قال :لا تتعجب إذا أخبرتك أن الصناديق التي تنتخبون فيها متطورة جدا وتستطيع أن تكشف لمن الصوت وبواسطتها يمكن أن ندرس اتجاهات المواطنين وميولاتهم، وذلك لفهمهم وفهم ما يريدون، لتجنب الأخطاء في الانتخابات القادمة، وكما ترى فالعملية ليست تجسسية كما تبادر إلى ذهنك في الوهلة الأولى بقدر ما هي طريقة عملية بحتة للتنبؤ والحيطة من أجل تحقيق سياسة الوقاية خير من العلاج..
قلت: سيدي أنا ليس لي خلاف معكم وإنما مع برنامجكم وليس معنى هذا أني أكرهكم أو لي موقف منكم ومن شخصكم، ولست ضد برنامجكم لأنه سيئ أو تافه، إنما وقته من وجهة نظري لم يحن، ولابد أن نبدأ بالأولويات شيئا فشيئا حتى نصل إلى الكماليات..
وبدت الفرحة على ملامح المير وهو يسمع كلامي، ولكنه سرعان ما قطب حاجبيه وقال: ورغم ذلك، فالغلطة تبقى سوداء في ملفك وهذا لا يسمح لي بإمضاء وثيقة الشفاعة لمقابلة الحاكم وإلا تعرضت للتوبيخ.. وعندي مشكلة عويصة إذا استطعت أن تحلها ويقبلها المواطنون المتجمهرون الآن في الخارج أمضيت لك الوثيقة وتركتك تذهب لحالك..
قلت: تفضل إني في الاستماع .. قال :100 مسكنا جاهزا للتوزيع منذ سنوات و5000 آلاف طلب تنتظر أن يكون الحظ حليفها هذه المرة .. كل الطرق التي استعملناها رفضها المواطنون، وطالبوا بإعادة التوزيع وهاهم يعتصمون أمام باب البلدية غاضبين حانقين وإذا لم نستطع تطويق المشكل بحل يرضي الجميع، فإنّ العاقبة لن تكون محمودة هذه المرة.. قلت: مادامت الدنيا أصبحت كلها حظوظا.. وأصبح المواطن يؤمن بالحظ أكثر من أي شيء آخر.. لماذا لا نحتكم إلى الحظ في توزيع السكنات..
قال متعجبا: كيف لم أفهم..؟
قلت: إنكم تلجأون كل سنة إلى القرعة لاختيار الحجاج الذين يذهبون إلى الحج..
قال: نعم
قلت: مادام الأمر كذلك لماذا لا نلجأ إلى هذا الحل لقطع ألسنة القيل والقال وكثرة السؤال..
قال: إنها فكرة جيدة وستحل المشكل بالتأكيد.. ولكن إذا أردت أن تنال وثيقة الشفاعة رجاء لا تكشف للصحافة بأنك من أوحى بهذه الفكرة الجهنمية التي ستنقذ البلدية من أي عنف محتمل.. وسأتبنى الفكرة وأقترحها على المسؤولين ودون شك سيرحبون بها ويعملون بها لحل مشاكل البلديات المشلولة.. وبكل تأكيد ستكون هذه الفكرة طريقا معبدا للترقية التي طالما انتظرتها ..
قلت: أعدك بحفظ الميم..
السيد "المير"
لما قصدت البلدية كنت أظن العملية سهلة، ولن تتطلب إلا بعض الدقائق لأحصل على وثيقة الشفاعة ممضاة من طرف شيخ البلدية.. ولكني كنت أسمع عن "الشواش" الذين يضعونهم على الأبواب"لنش الغاشي" كما ينش الذباب وغالبا يكونون من ذوي السن المتقدمة المحنكين بالتجربة والصبر على الشدائد ومطالب المواطنين المتكررة .. وفوجئت بادئ الأمر لما قابلني شاب بوجهه المكفهر الغاضب وأخبرني أنه "الشاوش" فاختلطت علي الأمور..
قال :واش تحوس يا حمار..
قلت له متبسما: أريد مقابلة شيخ البلدية من فضلك..
قال: ومن تكون سيادتك أيها البهيم ؟
قلت: مواطن..
فضحك ضحكة ساخرة وقال: حمار مواطن ولا تعرف قوانين الوطن،، يالك من مغفل..
قلت: والله، أنا أعرف القوانين جيدا، ولست هنا لأسمع محاضرة في القانون.. وما دام المسؤول في هذا المكان ، فالفضل يعود إلى المواطنين المنتخبين الذين زكوه، ومن اللباقة والكياسة أن لا يتنكر هذا المسؤول لهم ويقلب « الفيستة »
قال الشاوش: يبدو من خلال لغتك الفصحى السليمة أنك حمار مشرقي، هل أنت من الحجاز أم من الشام أيها الحمار؟ أم تراك مصري ؟ قلت: أنا حمار نوميدي .. ثم ما دخلك..؟ هل أنت شاوش أم مخبر أم جمركي ؟.. ثم متى كانت اللغة الفصحى حكرا على أهل الحجاز والشام أولم تقرأ خطبة القائد البربري طارق بن زياد العصماء التي ألقاها بعد أن وطئت قدماه جنة الأندلس.. ألم تقرأ مقدمة ابن خلدون وتاريخه؟
قال: الزم حدودك من فضلك.. أنا إطار جامعي تخصصي علمي، ولا أعرف من تتحدث عنهم، بعد أن درست النظريات العلمية وارتفعت بها إلى السماء رماني حظي السيئ إلى هذا المكان وأقبض راتبي في إطار"الشبكة الاجتماعية" الوضيعة.. وانصرفْ، لأن يوم الاستقبال هو يوم الأحد فقط من التاسعة إلى منتصف النهار وبموعد مسبق مع تحديد المشكل مسبقا..
انصرفت وعدت يوم الأحد فوجدت طابورا طويلا.. صبرت وكنت من المحظوظين بعد أن افترشت الليلة كاملة الكارتون من أجل أن أكون من الأوائل في الغد.. كان مكتب السيد "المير" فخما مكيفا مؤثثا أحسن تأثيث وبقربه جهاز تلفزيون من الحجم الكبير.. ووراءه صورة ضخمة للحاكم وعلى مكتبه جهاز إعلام آلي آخر طراز.. وبالقرب منه سكرتيرة بـــ »المكر وجيب » وفي أبهى زينتها وتعطرها وكأنها في حفلة خاصة.. ولأنه يحب إبهار المواطنين قال مرحبا: تفضل أيها الحمار..نحن في الخدمة وكما ترى فأنا أتدرب على تكنولوجيا الاتصال الحديث حتى نواكب العصر ..
قلت : شيء رائع يا سيادة المير أن يواكب الإنسان عصره .. ولما عرف قصتي قال لي: لا بد من إحضار ملف كامل من مائة وثيقة مصورة في عشر نسخ .. وبعد جهد كبير أحضرت له كل الوثائق المطلوبة مصورة..
استقبلني كالعادة بوجه بشوش وكان مكتبه يفوح عطرا ويغري بأشياء كثيرة..
قال: لقد وصل أخيرا فاكس من ديوان الحاكم، ويبدو أنه تأخر في الطريق. أنت تعرف زحمة المواصلات.. وبينما تكفل فريق من عمال البلدية بدراسة الوثائق، وجدوا كل شيء على ما يرام، وظننت أن المشكلة حُلّت، ولكني فوجئت به يخرج لي ورقة انتخابي من درجه ويقول لي متبسما: لقد انتخبت ولم تمتنع عن الانتخاب كما امتنع بعض أعداء الديمقراطية عن هذا الواجب المقدس، ولكنك لم تنتخب على شخصي وانتخبت على منافسي، وهذا يعني أني لم أعجبك، ومادمت صوت ضدي فإنك صوت ضد الوطن وضد الجمهورية، وهذا يعني أنك لا تعرف مصلحتك، ومازلت غير ناضج.. قلت: الانتخاب فعل حر وإرادي.. وأنا لم أنتخب على شخص، وإنما انتخبت على برنامج مقترح في الحملة الانتخابية.. وما دام الاقتراع يقتضي السرية، فلست أدري كيف تسمحون لأنفسكم بالتجسس على أصوات الناخبين..
قال :لا تتعجب إذا أخبرتك أن الصناديق التي تنتخبون فيها متطورة جدا وتستطيع أن تكشف لمن الصوت وبواسطتها يمكن أن ندرس اتجاهات المواطنين وميولاتهم، وذلك لفهمهم وفهم ما يريدون، لتجنب الأخطاء في الانتخابات القادمة، وكما ترى فالعملية ليست تجسسية كما تبادر إلى ذهنك في الوهلة الأولى بقدر ما هي طريقة عملية بحتة للتنبؤ والحيطة من أجل تحقيق سياسة الوقاية خير من العلاج..
قلت: سيدي أنا ليس لي خلاف معكم وإنما مع برنامجكم وليس معنى هذا أني أكرهكم أو لي موقف منكم ومن شخصكم، ولست ضد برنامجكم لأنه سيئ أو تافه، إنما وقته من وجهة نظري لم يحن، ولابد أن نبدأ بالأولويات شيئا فشيئا حتى نصل إلى الكماليات..
وبدت الفرحة على ملامح المير وهو يسمع كلامي، ولكنه سرعان ما قطب حاجبيه وقال: ورغم ذلك، فالغلطة تبقى سوداء في ملفك وهذا لا يسمح لي بإمضاء وثيقة الشفاعة لمقابلة الحاكم وإلا تعرضت للتوبيخ.. وعندي مشكلة عويصة إذا استطعت أن تحلها ويقبلها المواطنون المتجمهرون الآن في الخارج أمضيت لك الوثيقة وتركتك تذهب لحالك..
قلت: تفضل إني في الاستماع .. قال :100 مسكنا جاهزا للتوزيع منذ سنوات و5000 آلاف طلب تنتظر أن يكون الحظ حليفها هذه المرة .. كل الطرق التي استعملناها رفضها المواطنون، وطالبوا بإعادة التوزيع وهاهم يعتصمون أمام باب البلدية غاضبين حانقين وإذا لم نستطع تطويق المشكل بحل يرضي الجميع، فإنّ العاقبة لن تكون محمودة هذه المرة.. قلت: مادامت الدنيا أصبحت كلها حظوظا.. وأصبح المواطن يؤمن بالحظ أكثر من أي شيء آخر.. لماذا لا نحتكم إلى الحظ في توزيع السكنات..
قال متعجبا: كيف لم أفهم..؟
قلت: إنكم تلجأون كل سنة إلى القرعة لاختيار الحجاج الذين يذهبون إلى الحج..
قال: نعم
قلت: مادام الأمر كذلك لماذا لا نلجأ إلى هذا الحل لقطع ألسنة القيل والقال وكثرة السؤال..
قال: إنها فكرة جيدة وستحل المشكل بالتأكيد.. ولكن إذا أردت أن تنال وثيقة الشفاعة رجاء لا تكشف للصحافة بأنك من أوحى بهذه الفكرة الجهنمية التي ستنقذ البلدية من أي عنف محتمل.. وسأتبنى الفكرة وأقترحها على المسؤولين ودون شك سيرحبون بها ويعملون بها لحل مشاكل البلديات المشلولة.. وبكل تأكيد ستكون هذه الفكرة طريقا معبدا للترقية التي طالما انتظرتها ..
قلت: أعدك بحفظ الميم..
aboezra- المدير العام
-
عدد الرسائل : 2933
العمر : 72
المزاج : معتدل
الاوسمة :
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 28/06/2008
انابيل- Admin
-
عدد الرسائل : 2781
الاوسمة :
السٌّمعَة : 28
تاريخ التسجيل : 25/01/2008
مواضيع مماثلة
» خواطر الحمار .. (3)
» خواطر علي الماشي
» خواطر الزمن الجميل........!!.....
» الحمار والبردعة ؛
» هل الحمار أذكى أم الكلب .؟
» خواطر علي الماشي
» خواطر الزمن الجميل........!!.....
» الحمار والبردعة ؛
» هل الحمار أذكى أم الكلب .؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى