الرجاء التعليق على الموضوع بصراحه وموضوعيه
صفحة 1 من اصل 1
الرجاء التعليق على الموضوع بصراحه وموضوعيه
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
شكلت نهاية الثمانينيات من القرن الماضي مرحلة جديدة للعمل السياسي القانوني بالنسبة للحركة الإسلامية المعاصرة، ففي ظل سياق اتسم بالانفتاح السياسي في بعض الدول العربية، انضمت الجماعات الاجتماعية ذات الطابع الديني إلي الحياة السياسية من خلال أحزاب جديدة كما هو الشأن في لبنان والجزائر والأردن وموريتانيا، أو من خلال أحزاب تقليدية قائمة في التجربة المغربية.
ورغم أن هذه الأحزاب ما زالت تناضل من أجل الحفاظ علي شرعيتها المهددة من طرف أنظمة شبه قمعية وتسلطية، وأصبحت الظروف السياسية والوضع الدولي تزيد من صعوبة حركة مثل هذه الأحزاب الحاملة للمرجعية الإسلامية، إلا أن تجربتها في الحقل السياسي ونتائجها في الانتخابات الأخيرة تسمح بمساءلة رصيدها السياسي، خصوصا وأن حصة الإسلاميين تراجعت بشكل مضطرد في البرلمان الجزائري، حركة مجتمع السلم، النهضة والإصلاح الوطني حققا 106 مقاعد عام 1997، و 81 عام 2003، ليتــراجع الإنــجاز الانتخابي إلي 52 مقعداً سنة 2007.
من جهته فشل حزب العدالة والتنمية المغربي في إحراز تقدم ملموس في انتخابات 2007، ففي الوقت الذي أعطته استطلاعات الرأي المرتبة الأولي إلا أنه لم يتجاوز 46 مقعدا بزيادة 4 مقاعد مع خسارة حوالي 20.000 صوت مقارنة مع انتخابات 2002؛ كما أن أغلبية قيادييه، وبرلمانييه السابقين لم يحافظوا علي المراتب المتقدمة التي حصلوا عليها في ترتيب الناجحين حسب الدوائر الانتخابية، حيث تراجعوا في آخر عملية انتخابية إلي الصف الثاني والثالث.
من جهتها اكتفت جبهة العمل الإسلامي بالأردن بالمشاركة الرمزية، حيث رشحت 22 مرشحا من أصل 899 للحصول علي 110 مقاعد نيابية في اقتراع مجلس النواب الاخير، لتكشف النتائج النهائية عن تراجع مهول للحزب في حدود 6 مقاعد فقط، وكانت الجبهة قد حصلت علي 17 مقعداً في المجلس النيابي السابق.
فما هو دور هذه الأحزاب في صناعة انتقال ديمقراطي محتمل، في مجتمعات تعاني من تسلطية الحاكم، وتطويعه للدين بشكل غامض وذرائعي، مما يقلص من مساحة المشاركة السياسية، ويمنع النخبة من تطوير الجدل الفكري في الصياغة النظرية ومعالجة القضايا دون إهمال تفاعلات الواقع الاجتماعي والثقافي؟
إن تقديم الصورة الكاملة عن الأحزاب الإسلامية المعاصرة يبدو صعبا؛ كما أن إعطاء وصفات معينة عما يجب علي هذه الأحزاب القيام به يعتبر خروجا عن الموضوعية، والحيادية العلمية؛ فهذه الأحزاب تدعي طرحها لبرنامج سياسي انطلاقا من المرجعية الدينية، وتعتمد في ذلك علي رجال سياسة متدينين وليس علي رجال دين يمتهنون السياسة ، لذلك نسمي هذا النوع من الأحزاب بالأحزاب الإسلامية.
وربما جاز اعتبار دخولها للمعترك السياسي الرسمي في سياق مجتمعي منشد إلي الدين يزيد من أهميتها في الاستقرار السياسي، رغم أنه لا يوجد لدينا معيار يثبت كونها عاملا حاسما في هذا الاستقرار، كما هو الشأن في المغرب الذي يلعب فيه الملك ومن ورائه الجيش دور الضامن الرئيس لهذا الاستقرار.
وهكذا، فعندما نتحدث عن هذه الأحزاب في جو الاختناق السياسي العربي الحالي، فإن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه عليها هو: هل تساهم كتنظيمات سياسية شرعية في دمقرطة الحياة السياسية؟ وهل تخرج بنيتها التنظيمية عن النظام الحزبي العربي القائم علي الالتفاف حول الزعيم؟ وما دورها في إرجاع المثقف للحياة السياسية؟
إن الملاحظ لتطور العمل السياسي عند الاسلاميين، لا بد وأن يقر بتفوقه الشعبي علي التيار العلماني بتاريخه الطويل، لكن استنتاجنا هذا لا يوشح صدر الاسلاميين بوسام الديمقراطية، إذ ما زال بعض سلوكيات قيادتها وقوانينها الداخلية وطريقة اختيار مرشحيها للبرلمان توحي بأن الطريق نحو الديمقراطية الداخلية لم تعبد بعد داخل الأحزاب الإسلامية، كما أنها أصبحت تشارك الأنظمة السياسية والأحزاب العلمانية في غلبة القيادات الهرمة، والعقليات المحافظة.
ففي ظل قتل السياسة الذي يمارسه الحكام العرب، وتقارب طيف كبير من العلمانيين مع السلطة، وعدم تخلص هذه الأحزاب من بعض رواسب التفكير الفقهي الذي يعتمد نظرية سد الذرائع للحيلولة دون السقوط في المحظور الشرعي ـ الفتنة ـ، كل هذا يسهل عليها إقناع المنتسبين والمتعاطفين معها بالدخول في دوامة مساندة بعض الأنظمة التسلطية كما هو الحال بالمغرب والأردن، يصاحب ذلك بحسابات سياسية تكتيكية لقادتها دون تطوير رؤية تشاركية تنبني علي دينامكية الحراك الاجتماعي التنافسي مع باقي الفرقاء والأنظمة السياسية علي قاعدة الديمقراطية، وأولوية الحريات الثقافية والاجتماعية، وحرية التعبير والتجمع... لذا فإن ضعف مثل هذه الرؤية عند الإسلاميين الحزبيين بات يشكل أرضية خصبة لاستمرار التسلط، وازدراء النخبة العلمانية المحتكة ثقافيا مع الغرب.
التقنية بدل المعرفة السياسية
ولعل خيبة الأمل في التكتلات الحزبية الإسلامية اليوم في تطوير نظرية إسلامية معرفية في السياسة، لا تظهر في جانبها النظري، بل أن انجازات النخبة الحزبية لهذه التكتلات تبقي شحيحة، وفرص توسيعها تحتاج إلي دفعة حقيقية، وسريعة للنظام الفكري والمعرفي عند الإسلاميين الحزبيين؛ وهذا يجعل موقف الأحزاب الإسلامية في القضايا الكبري دون مظلة ورافعة فكرية ـ سياسية صالحة لمحاججة الغير ومغالبته أكاديميا في صالونات النخبة، ومراكز الأبحاث. ويبدو واضحا أن الفشل في هذا المجال أخذ يعوض بصياغات سياسية بديلة مشكوك في صوابيتها، لأنها في عمومها تنحو منحي تقنيا ينافس تسلطية الحاكم وازدراءه بالأسس المعرفية والتطبيقية للديمقراطية. ويمكن للمتتبع لمسار الأحزاب الإسلامية أن ينظر إلي حالة جبهة العمل الأردنية، وحزب العدالة والتنمية المغربي، ليلحظ أن السعي الدؤوب في مسار التيكنوقراطية السياسية تنتهج في ظل نسق سياسي غير ديمقراطي بمبررات غير مقنعة وبرامج سياسية عير متقنة.
ففي حالة حزب العدالة والتنمية بالمغرب، أصبح منطق احتراف السياسة يحتل جل مربعات احتراف التفكير الموروث أصلا من احتراف الدعوة الدينية القائمة علي الإقناع والبحث العلمي، وامتدت أجواء هذه القناعات الجديدة عند الإسلاميين، لتدخل في معيار الترشيح للانتخابات البرلمانية والبلدية، وتساهم في بناء نظام علائقي جنيني أقرب إلي البنية الزبونية داخل التنظيم الحزبي منه إلي إتباع المساطر والقوانين الداخلية للحزب.
من جهة ثانية، يمارس الحزب السياسة من منطلق السياسة كمخاض يومي تدبيري يخضع لرد الفعل، مما يجعل استراتيجة الحزب غامضة عند أعضائه، فضلا عن منتقديه، والحاقدين عليه. وفي ظل هذا المنطق أصبحت السياسة تعني المشاركة في الانتخابات وتجييش الصف الداخلي خلال هذه المرحلة، واختفت بعض الأسئلة الكبري مثل الموقف من:
ـ علاقة الدين بالسياسة.
ـ الإسلام والديمقراطية.
ـ علاقة تطبيق الشريعة بالمؤسسات الدستورية، من يطبق الشريعة: الدولة أم الأمة: المجتمع المدني؟
ـ القانون الوضعي وعلاقته بإعادة صياغة مقاصد الشريعة.
ـ حدود علماء الشريعة ودورهم في السياسة وخاصة في مراقبة دستورية القوانين.
ـ القداسة والسلطة السياسية، من المقدس إرادة الأمة أم شخصية الحكم؟
ولعل محاولة حزب جبهة العمل مجاراة الملكية الأردنية في البحث عن الحلول والأفكار التقنية لبعض القضايا، يظهر بجلاء فشل نموذج إسلامي في لعب دور يتصادم مع بعض الأسس المعرفية للإسلاميين. كما أن توسيع قاعدة النخبة الأكاديمية كما هو الشأن بالنسبة لتجربة للحركة السلفية الكويتية (الأحزاب ممنوعة بالكويت)، أنجح سياسيا وأكاديميا من وضع التقنيين في الواجهة السياسية للمشروع الإسلامي الحضاري.
ولسوء حظ الأحزاب الإسلامية، أن زحف التقنيين وموقعهم في قمة الهرم الحزبي، يعيد إلي الأذهان ما طرح بعد نكسة 1967 من استقالة الإنتليجينسيا العربية العمل السياسي العام المباشر لصالح نخبة نفعية ذات أغراض شخصية، كما أن رسالة الإسلاميين التي يبشرون الجماهير بها تصبح مبهمة وتنزع إلي بعض الشعارات للتغطية علي إعطاب التواصل والقدرة علي تفسير رؤاها للنخب المجتمعية المختلفة معها، فترفع شعارات مثل الإسلام هو الحل أو الوسطية والاعتدال . ففي غالب الأحيان يجهد المراقب الموضوعي لظاهرة الأحزاب الإسلامية نفسه في دراسة برامجها الحزبية، فيجد أن مضمونها لا يقر بكثير اختلاف، وتمييز، أو تفرد في الإستراتيجيات مقارنة مع الأحزاب الأخـــري التي تعاني من أزمة هوية وشعبية، كما يصدق ذلك حـتي بمقارنتها مع النظام غير الديمقراطي.
ورغم أننا نقر بالاختلاف الكبير بين هذه الأحزاب والنظم القائمة ومع العلمانيين، إلا أن النظرة التقنية تعمق من أزمة الإسلاميين، وتجعلهم أكثر إخفاقا في مواجهة الأنظمة والنخبة المتغربة، فهي لا تستميل بشكل جيد المتدينين البسطاء ، حيث تستقطبهم الدولة في أجهزتها الدينية الرسمية، كما يضع بعض هؤلاء أنفسهم كمتتبعين لحالة الاحتكاك التي تحدث بين الفينة والأخري مع السلطة السياسية. أما القسم الآخر من النخبة المتدينة، فأمام ضيق القنوات الحزبية واعتمادها علي التيكنوقراطيين في تسيير الشأن الحزبي، فقد اختار الإصلاح من خلال الالتحاق بالدولة وأجهزتها تحت ذريعة لا تعدو كونها مبررا نفسيا خالصا، إذ ما هي حدود الإصلاح ومنه السياسي والديني أمام سيطرة الأمني عليهما؟ وما هدف الأحزاب الإسلامية: التبليغ البيروقراطي المعتمد علي الرجل التقني، أم التبليغ العلمي المعرفي المستند إلي رجل العلم في الميدان السياسي؟
إن اختلاف الإسلاميين مع غيرهم ناتج بالأساس عن الإيديولوجية والرسالة الدينية المحمولة من طرفهم، وبناء علي معطيات التاريخ الإسلامي نلاحظ أن إسلاميي اليوم لم يستوعبوا قوة المجتمع وتفوقه الكبير علي الدولة قبل الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي، كما لم يستفيدوا من تجربة رجل العلم والسياسة ـ العالم ـ الذي كان عاملا حاسما في مناهضة الطغيان والدفاع عن العدل وتغير المشهد السياسي.
صحيح ان الإسلاميين قبل أن ينتقلوا إلي العمل الحزبي كانوا ولا يزالون يؤثرون في المجتمع المدني، إلا أن تطوير عملهم لبناء مجتمع مدني قوي، وثري، له اهتمامات سياسية، ووعي راشد وديمقراطي لا يزال ضعيفا، ولا يبالي بدراسة تاريخ المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية في الإسلام وتاريخ المسلمين، وكيف يدار المجتمع اقتصاديـــا واجتماعيـــــــا وعلاقته بالقضايا الجوهرية، كالدفاع المبدئي عن حقوق الإنسان وفق القوانين الإنسانية.
إن عمل المجتمع المدني، وانشغاله الثقافي والعلمي عبر مراكز للبحوث بالوضع السياسي، يضفي صفة الواقعية الحقة علي الفكر السياسي النخبوي والشعبي، مما يخلق تكاملا صحيا مع النشاط الحزبي المباشر؛ من جهة أخري فإن ولاء جزء من المجتمع المدني لخط، أو مرجعية سياسية يرفع من نسبة تجاوز النظرة الغامضة والشعاراتية حول بعض القضايا الكبري، مثل كيفية تسريع وتيرة الديمقراطية.
ولعل تجربة الانتقال الديمقراطي في أمريكا اللاتينية تعطي درسا بالغا، وتجربة عملية، للأحزاب السياسية الإسلامية حيث جسدت بجلاء صورة لمجتمع مدني بإيديولوجيات متنوعة ، دينية، ووضعية، استطاع أن يتحول بسلاسة إلي لوبي لخلق تحالفات مجتمعية، وسياسية خدمة للهدف الشعبي الأكبر، وهو تحقيق الديمقراطية ودحر الاستبداد.
لقد كشفت التجربة المتواضعة والخيارات السياسية لهذه الأحزاب عن قدرة لا بأس بها في التكيف التكتيكي مع الوضع السياسي المأزوم والموبوء عربيا، ودوليا، بيد أن علة الوجود بالنسبة لهذه الأحزاب الإسلامية، تكمن في إيجاد أطروحة سياسية نظرية قابلة للتطبيق، تستجيب لطموحات الشعوب المفتقدة للعدالة والحقوق الأساسية؛ وهو ما لا يمكن إدراكه في خضم انشغال القيادات بالتدبير التقني والاستكانة لمخطط قتل السياسة باحتكار السلطة السياسية عبر الدستور غير الديمقراطي، أضف إلي ذلك النزاعات الداخلية وخلق الاصطفاف وراء هذا الزعيم أو ذاك تحت ذريعة مراعاة الظروف السياسية، أو تقديم صورة معتدلة عن الحزب، فقد أصبح حال لسان بعض الــقيادات يقول: التيكنوقراطيون ضمانتنا لتسريع العمل ومـــرور القرارات، والتواصل مع العالم الخارجي .
ان وضـع هذه الأحزاب يجعلنا غير متأكدين من قدرتها علي معالجة اختلافاتها الداخلية، مما يسبب لها رخاوة داخلية، وابتعاد نخبتها الأكاديمية عن العمل التنظيمي قد يجعلنا أمام أحزاب متدينين بمرجعية شبه علمانية. وبالمقابل لن يخبو نجم هذه الأحزاب قريبا كما يزعم أصحاب نظرية أفول الإسلام السياسي، فعند هذه الأحزاب تماسك قيمي داخلي مشترك مع الشعوب، الأمر الذي مكنها من التموقع في الحقل السياسي للدولة العربية في عصر الحداثة السياسية، دون أن تحدث قطيعة معرفية مع التراث السياسي الديني.
فداك يارسول الله شريف رمضان مع تحياتى للجميع
شكلت نهاية الثمانينيات من القرن الماضي مرحلة جديدة للعمل السياسي القانوني بالنسبة للحركة الإسلامية المعاصرة، ففي ظل سياق اتسم بالانفتاح السياسي في بعض الدول العربية، انضمت الجماعات الاجتماعية ذات الطابع الديني إلي الحياة السياسية من خلال أحزاب جديدة كما هو الشأن في لبنان والجزائر والأردن وموريتانيا، أو من خلال أحزاب تقليدية قائمة في التجربة المغربية.
ورغم أن هذه الأحزاب ما زالت تناضل من أجل الحفاظ علي شرعيتها المهددة من طرف أنظمة شبه قمعية وتسلطية، وأصبحت الظروف السياسية والوضع الدولي تزيد من صعوبة حركة مثل هذه الأحزاب الحاملة للمرجعية الإسلامية، إلا أن تجربتها في الحقل السياسي ونتائجها في الانتخابات الأخيرة تسمح بمساءلة رصيدها السياسي، خصوصا وأن حصة الإسلاميين تراجعت بشكل مضطرد في البرلمان الجزائري، حركة مجتمع السلم، النهضة والإصلاح الوطني حققا 106 مقاعد عام 1997، و 81 عام 2003، ليتــراجع الإنــجاز الانتخابي إلي 52 مقعداً سنة 2007.
من جهته فشل حزب العدالة والتنمية المغربي في إحراز تقدم ملموس في انتخابات 2007، ففي الوقت الذي أعطته استطلاعات الرأي المرتبة الأولي إلا أنه لم يتجاوز 46 مقعدا بزيادة 4 مقاعد مع خسارة حوالي 20.000 صوت مقارنة مع انتخابات 2002؛ كما أن أغلبية قيادييه، وبرلمانييه السابقين لم يحافظوا علي المراتب المتقدمة التي حصلوا عليها في ترتيب الناجحين حسب الدوائر الانتخابية، حيث تراجعوا في آخر عملية انتخابية إلي الصف الثاني والثالث.
من جهتها اكتفت جبهة العمل الإسلامي بالأردن بالمشاركة الرمزية، حيث رشحت 22 مرشحا من أصل 899 للحصول علي 110 مقاعد نيابية في اقتراع مجلس النواب الاخير، لتكشف النتائج النهائية عن تراجع مهول للحزب في حدود 6 مقاعد فقط، وكانت الجبهة قد حصلت علي 17 مقعداً في المجلس النيابي السابق.
فما هو دور هذه الأحزاب في صناعة انتقال ديمقراطي محتمل، في مجتمعات تعاني من تسلطية الحاكم، وتطويعه للدين بشكل غامض وذرائعي، مما يقلص من مساحة المشاركة السياسية، ويمنع النخبة من تطوير الجدل الفكري في الصياغة النظرية ومعالجة القضايا دون إهمال تفاعلات الواقع الاجتماعي والثقافي؟
إن تقديم الصورة الكاملة عن الأحزاب الإسلامية المعاصرة يبدو صعبا؛ كما أن إعطاء وصفات معينة عما يجب علي هذه الأحزاب القيام به يعتبر خروجا عن الموضوعية، والحيادية العلمية؛ فهذه الأحزاب تدعي طرحها لبرنامج سياسي انطلاقا من المرجعية الدينية، وتعتمد في ذلك علي رجال سياسة متدينين وليس علي رجال دين يمتهنون السياسة ، لذلك نسمي هذا النوع من الأحزاب بالأحزاب الإسلامية.
وربما جاز اعتبار دخولها للمعترك السياسي الرسمي في سياق مجتمعي منشد إلي الدين يزيد من أهميتها في الاستقرار السياسي، رغم أنه لا يوجد لدينا معيار يثبت كونها عاملا حاسما في هذا الاستقرار، كما هو الشأن في المغرب الذي يلعب فيه الملك ومن ورائه الجيش دور الضامن الرئيس لهذا الاستقرار.
وهكذا، فعندما نتحدث عن هذه الأحزاب في جو الاختناق السياسي العربي الحالي، فإن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه عليها هو: هل تساهم كتنظيمات سياسية شرعية في دمقرطة الحياة السياسية؟ وهل تخرج بنيتها التنظيمية عن النظام الحزبي العربي القائم علي الالتفاف حول الزعيم؟ وما دورها في إرجاع المثقف للحياة السياسية؟
إن الملاحظ لتطور العمل السياسي عند الاسلاميين، لا بد وأن يقر بتفوقه الشعبي علي التيار العلماني بتاريخه الطويل، لكن استنتاجنا هذا لا يوشح صدر الاسلاميين بوسام الديمقراطية، إذ ما زال بعض سلوكيات قيادتها وقوانينها الداخلية وطريقة اختيار مرشحيها للبرلمان توحي بأن الطريق نحو الديمقراطية الداخلية لم تعبد بعد داخل الأحزاب الإسلامية، كما أنها أصبحت تشارك الأنظمة السياسية والأحزاب العلمانية في غلبة القيادات الهرمة، والعقليات المحافظة.
ففي ظل قتل السياسة الذي يمارسه الحكام العرب، وتقارب طيف كبير من العلمانيين مع السلطة، وعدم تخلص هذه الأحزاب من بعض رواسب التفكير الفقهي الذي يعتمد نظرية سد الذرائع للحيلولة دون السقوط في المحظور الشرعي ـ الفتنة ـ، كل هذا يسهل عليها إقناع المنتسبين والمتعاطفين معها بالدخول في دوامة مساندة بعض الأنظمة التسلطية كما هو الحال بالمغرب والأردن، يصاحب ذلك بحسابات سياسية تكتيكية لقادتها دون تطوير رؤية تشاركية تنبني علي دينامكية الحراك الاجتماعي التنافسي مع باقي الفرقاء والأنظمة السياسية علي قاعدة الديمقراطية، وأولوية الحريات الثقافية والاجتماعية، وحرية التعبير والتجمع... لذا فإن ضعف مثل هذه الرؤية عند الإسلاميين الحزبيين بات يشكل أرضية خصبة لاستمرار التسلط، وازدراء النخبة العلمانية المحتكة ثقافيا مع الغرب.
التقنية بدل المعرفة السياسية
ولعل خيبة الأمل في التكتلات الحزبية الإسلامية اليوم في تطوير نظرية إسلامية معرفية في السياسة، لا تظهر في جانبها النظري، بل أن انجازات النخبة الحزبية لهذه التكتلات تبقي شحيحة، وفرص توسيعها تحتاج إلي دفعة حقيقية، وسريعة للنظام الفكري والمعرفي عند الإسلاميين الحزبيين؛ وهذا يجعل موقف الأحزاب الإسلامية في القضايا الكبري دون مظلة ورافعة فكرية ـ سياسية صالحة لمحاججة الغير ومغالبته أكاديميا في صالونات النخبة، ومراكز الأبحاث. ويبدو واضحا أن الفشل في هذا المجال أخذ يعوض بصياغات سياسية بديلة مشكوك في صوابيتها، لأنها في عمومها تنحو منحي تقنيا ينافس تسلطية الحاكم وازدراءه بالأسس المعرفية والتطبيقية للديمقراطية. ويمكن للمتتبع لمسار الأحزاب الإسلامية أن ينظر إلي حالة جبهة العمل الأردنية، وحزب العدالة والتنمية المغربي، ليلحظ أن السعي الدؤوب في مسار التيكنوقراطية السياسية تنتهج في ظل نسق سياسي غير ديمقراطي بمبررات غير مقنعة وبرامج سياسية عير متقنة.
ففي حالة حزب العدالة والتنمية بالمغرب، أصبح منطق احتراف السياسة يحتل جل مربعات احتراف التفكير الموروث أصلا من احتراف الدعوة الدينية القائمة علي الإقناع والبحث العلمي، وامتدت أجواء هذه القناعات الجديدة عند الإسلاميين، لتدخل في معيار الترشيح للانتخابات البرلمانية والبلدية، وتساهم في بناء نظام علائقي جنيني أقرب إلي البنية الزبونية داخل التنظيم الحزبي منه إلي إتباع المساطر والقوانين الداخلية للحزب.
من جهة ثانية، يمارس الحزب السياسة من منطلق السياسة كمخاض يومي تدبيري يخضع لرد الفعل، مما يجعل استراتيجة الحزب غامضة عند أعضائه، فضلا عن منتقديه، والحاقدين عليه. وفي ظل هذا المنطق أصبحت السياسة تعني المشاركة في الانتخابات وتجييش الصف الداخلي خلال هذه المرحلة، واختفت بعض الأسئلة الكبري مثل الموقف من:
ـ علاقة الدين بالسياسة.
ـ الإسلام والديمقراطية.
ـ علاقة تطبيق الشريعة بالمؤسسات الدستورية، من يطبق الشريعة: الدولة أم الأمة: المجتمع المدني؟
ـ القانون الوضعي وعلاقته بإعادة صياغة مقاصد الشريعة.
ـ حدود علماء الشريعة ودورهم في السياسة وخاصة في مراقبة دستورية القوانين.
ـ القداسة والسلطة السياسية، من المقدس إرادة الأمة أم شخصية الحكم؟
ولعل محاولة حزب جبهة العمل مجاراة الملكية الأردنية في البحث عن الحلول والأفكار التقنية لبعض القضايا، يظهر بجلاء فشل نموذج إسلامي في لعب دور يتصادم مع بعض الأسس المعرفية للإسلاميين. كما أن توسيع قاعدة النخبة الأكاديمية كما هو الشأن بالنسبة لتجربة للحركة السلفية الكويتية (الأحزاب ممنوعة بالكويت)، أنجح سياسيا وأكاديميا من وضع التقنيين في الواجهة السياسية للمشروع الإسلامي الحضاري.
ولسوء حظ الأحزاب الإسلامية، أن زحف التقنيين وموقعهم في قمة الهرم الحزبي، يعيد إلي الأذهان ما طرح بعد نكسة 1967 من استقالة الإنتليجينسيا العربية العمل السياسي العام المباشر لصالح نخبة نفعية ذات أغراض شخصية، كما أن رسالة الإسلاميين التي يبشرون الجماهير بها تصبح مبهمة وتنزع إلي بعض الشعارات للتغطية علي إعطاب التواصل والقدرة علي تفسير رؤاها للنخب المجتمعية المختلفة معها، فترفع شعارات مثل الإسلام هو الحل أو الوسطية والاعتدال . ففي غالب الأحيان يجهد المراقب الموضوعي لظاهرة الأحزاب الإسلامية نفسه في دراسة برامجها الحزبية، فيجد أن مضمونها لا يقر بكثير اختلاف، وتمييز، أو تفرد في الإستراتيجيات مقارنة مع الأحزاب الأخـــري التي تعاني من أزمة هوية وشعبية، كما يصدق ذلك حـتي بمقارنتها مع النظام غير الديمقراطي.
ورغم أننا نقر بالاختلاف الكبير بين هذه الأحزاب والنظم القائمة ومع العلمانيين، إلا أن النظرة التقنية تعمق من أزمة الإسلاميين، وتجعلهم أكثر إخفاقا في مواجهة الأنظمة والنخبة المتغربة، فهي لا تستميل بشكل جيد المتدينين البسطاء ، حيث تستقطبهم الدولة في أجهزتها الدينية الرسمية، كما يضع بعض هؤلاء أنفسهم كمتتبعين لحالة الاحتكاك التي تحدث بين الفينة والأخري مع السلطة السياسية. أما القسم الآخر من النخبة المتدينة، فأمام ضيق القنوات الحزبية واعتمادها علي التيكنوقراطيين في تسيير الشأن الحزبي، فقد اختار الإصلاح من خلال الالتحاق بالدولة وأجهزتها تحت ذريعة لا تعدو كونها مبررا نفسيا خالصا، إذ ما هي حدود الإصلاح ومنه السياسي والديني أمام سيطرة الأمني عليهما؟ وما هدف الأحزاب الإسلامية: التبليغ البيروقراطي المعتمد علي الرجل التقني، أم التبليغ العلمي المعرفي المستند إلي رجل العلم في الميدان السياسي؟
إن اختلاف الإسلاميين مع غيرهم ناتج بالأساس عن الإيديولوجية والرسالة الدينية المحمولة من طرفهم، وبناء علي معطيات التاريخ الإسلامي نلاحظ أن إسلاميي اليوم لم يستوعبوا قوة المجتمع وتفوقه الكبير علي الدولة قبل الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي، كما لم يستفيدوا من تجربة رجل العلم والسياسة ـ العالم ـ الذي كان عاملا حاسما في مناهضة الطغيان والدفاع عن العدل وتغير المشهد السياسي.
صحيح ان الإسلاميين قبل أن ينتقلوا إلي العمل الحزبي كانوا ولا يزالون يؤثرون في المجتمع المدني، إلا أن تطوير عملهم لبناء مجتمع مدني قوي، وثري، له اهتمامات سياسية، ووعي راشد وديمقراطي لا يزال ضعيفا، ولا يبالي بدراسة تاريخ المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية في الإسلام وتاريخ المسلمين، وكيف يدار المجتمع اقتصاديـــا واجتماعيـــــــا وعلاقته بالقضايا الجوهرية، كالدفاع المبدئي عن حقوق الإنسان وفق القوانين الإنسانية.
إن عمل المجتمع المدني، وانشغاله الثقافي والعلمي عبر مراكز للبحوث بالوضع السياسي، يضفي صفة الواقعية الحقة علي الفكر السياسي النخبوي والشعبي، مما يخلق تكاملا صحيا مع النشاط الحزبي المباشر؛ من جهة أخري فإن ولاء جزء من المجتمع المدني لخط، أو مرجعية سياسية يرفع من نسبة تجاوز النظرة الغامضة والشعاراتية حول بعض القضايا الكبري، مثل كيفية تسريع وتيرة الديمقراطية.
ولعل تجربة الانتقال الديمقراطي في أمريكا اللاتينية تعطي درسا بالغا، وتجربة عملية، للأحزاب السياسية الإسلامية حيث جسدت بجلاء صورة لمجتمع مدني بإيديولوجيات متنوعة ، دينية، ووضعية، استطاع أن يتحول بسلاسة إلي لوبي لخلق تحالفات مجتمعية، وسياسية خدمة للهدف الشعبي الأكبر، وهو تحقيق الديمقراطية ودحر الاستبداد.
لقد كشفت التجربة المتواضعة والخيارات السياسية لهذه الأحزاب عن قدرة لا بأس بها في التكيف التكتيكي مع الوضع السياسي المأزوم والموبوء عربيا، ودوليا، بيد أن علة الوجود بالنسبة لهذه الأحزاب الإسلامية، تكمن في إيجاد أطروحة سياسية نظرية قابلة للتطبيق، تستجيب لطموحات الشعوب المفتقدة للعدالة والحقوق الأساسية؛ وهو ما لا يمكن إدراكه في خضم انشغال القيادات بالتدبير التقني والاستكانة لمخطط قتل السياسة باحتكار السلطة السياسية عبر الدستور غير الديمقراطي، أضف إلي ذلك النزاعات الداخلية وخلق الاصطفاف وراء هذا الزعيم أو ذاك تحت ذريعة مراعاة الظروف السياسية، أو تقديم صورة معتدلة عن الحزب، فقد أصبح حال لسان بعض الــقيادات يقول: التيكنوقراطيون ضمانتنا لتسريع العمل ومـــرور القرارات، والتواصل مع العالم الخارجي .
ان وضـع هذه الأحزاب يجعلنا غير متأكدين من قدرتها علي معالجة اختلافاتها الداخلية، مما يسبب لها رخاوة داخلية، وابتعاد نخبتها الأكاديمية عن العمل التنظيمي قد يجعلنا أمام أحزاب متدينين بمرجعية شبه علمانية. وبالمقابل لن يخبو نجم هذه الأحزاب قريبا كما يزعم أصحاب نظرية أفول الإسلام السياسي، فعند هذه الأحزاب تماسك قيمي داخلي مشترك مع الشعوب، الأمر الذي مكنها من التموقع في الحقل السياسي للدولة العربية في عصر الحداثة السياسية، دون أن تحدث قطيعة معرفية مع التراث السياسي الديني.
فداك يارسول الله شريف رمضان مع تحياتى للجميع
شريف رمضان- Admin
-
عدد الرسائل : 459
السٌّمعَة : 5
تاريخ التسجيل : 30/07/2007
مواضيع مماثلة
» بصراحه ماذا تكتب زوجتك في طلباتها
» سؤال يبكي القلــــــــــب .......... الجريء ويجاوب بصراحه؟؟؟
» هل تتزوجًً بنت تكتبًً في المنتاديات ًِ( الكل يجاوب بصراحه) ِ
» الرجاء الرد مشكله في عيوني
» الرجاء الرد لدي شك اني مصاب بالتشتت الذهني
» سؤال يبكي القلــــــــــب .......... الجريء ويجاوب بصراحه؟؟؟
» هل تتزوجًً بنت تكتبًً في المنتاديات ًِ( الكل يجاوب بصراحه) ِ
» الرجاء الرد مشكله في عيوني
» الرجاء الرد لدي شك اني مصاب بالتشتت الذهني
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى