الحياة لا تتسع لعجوز
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الحياة لا تتسع لعجوز
حكى لي صديقي حينما طلبت منه أن يصمت ، فقال:
أنبئه جده ،عن أبيه ، عمن لقيه من رجالات الوطن في عهد غابر (بشرفي ليس أغبر من حاضر) ، قال-دام صمته-:
كنا ثلاثة عربان مسافرين ، فلقينا رجل لا نعرفه ولا يعرفنا ، سلمنا عليه وَجَلا ، فقال نزِقا: (هويتك ..أنت ويـ...ـاه) ، ولم يكن معنا يا ولدي هوية ، فاقتادنا إلى مخفر الشرطة ، وهناك تم ترحيلنا إلى بعيد ، إلى حيث تسكن الشياطين مصفدة!
**
لعنت صديقي على هذه القصة الفارغة (كنت صغيرا .. صغيرا لا أعرف ما الرمزية) ، ولعنته أخرى على هذا الحديث المخزي في ساعة كهذه ، ولعنته على سحنته التي تشبه سحنة جده المنحوس (سالف الذكر) ، ولعنته كثيرا ..
اكتشفت فيما بعد أن صديقي هذا : (ضد اللعن) ، لقد كان الملعون حقاً حقا .. ((مخبرا)) !
**
التقيته كرّة أخرى (بعد رحلة تكفل بتنسيقها لي من جهده الخاص أخزاه الله وجعلها في ميزان سيئاته) ، طلبت منه عدم الحديث ، وأخبرته أني غاضب عليه ، وأنني أتمنى أن لو سحلت وجهه ( ودققت كتفيه) ، ضحك بسخفٍ وصمت ..
فجأة قال: أنبئني جدي من جهة أمي (بسند متصل) ، عن جده ، قال (وكان مقطوع اللسان كبقية المواطنين في ذلك الزمان .. ولا أدري كيف قال؟!) أنه مرة ذهب ليقابل السلطان ، وتجشم عناء السفر ، واغبرار الطريق (طريق مزدوج ناقة تروح وأخرى تلحقها دونما مجيء) ، وقلة الزاد ، وارتفاع سعر الوقود (قبل التخفيض) ، وكثرة القسائم (خيالة أمن الطرق) ، والرياح والسحاب المسخر والأهوال والأنواء ..
خلاصة الحكاية أن جده وصلَ يطلب العطاء في ساعةِ كان السلطان (يحتضر) ، زجروه ، ضربوه ، أخبروه عن قلة أدبه وعن عدم حسن تربيته ، عن عدم تقيده بالأدب مع ولاة أمره ، وأخبره مشفق منهم (هكذا كان يظنه) أن عليه أمرا لا فضلا .. أن ينتظر حتى (تنفرج) الغمة ، واستجاب الجد المكروب لأكذب نصيحة .. !
وطال الانتظار (وما علم رحمه الله أن السلاطين يطول احتضار أحدهم حتى تغدو الساعة دهرا) ، وتوسل إلى ملك الموت بكل ما يملك من صدقات قدمها قبل عامين ، يوم مات زوجته (الجدة الصالحة) ، وحاول كل ما يمكن .. وأخيرا مات السلطان (الهالك) عن 50 عاما من الحكم و20 عاما من الاحتضار ..!
كان الجد المكروب حينها قد تغير لونه ، وطالت لحيته ، وكثر شيب رأسه واستحال (مواطنا أخرا) ، وحين عاد إلى السلطان الجديد يطلب العطية ردوه خائبا ، كان النظام (قد تغير) والرجل جديد عليهم لا يعرفوه ولا يعرفوا له في سجل الطلبات شيئا ، وكانت الدولة تمر بأزمة بعد أن انخفض سعر البر والزبيب (70 درهما للرطل الواحد) ، وحاول الجد و صاول ولكنه ما أفلح أو (لم يفلح).
وعلى الطريق الدولي بين اليمامة وتهامة ، وفي محطة وقود (للبعران السريعة) قضى الجد المكروب أنفاسه الأخيرة بدون طول احتضار ، ومن ورائه كان خيّال أمن الطرق البرية (يشك ظهر بعيره) بقسيمة مفادها (توقف خاطئ)!
وكأي ميت ..
لم تتسع له صفحات الوفيات ، ولم تدفع قيمة تعزيته أحدى الوكالات .. مضى الجد يطلب العطاء من مكان آخر ، ولا أحد يعلم به إلا بعيره المنكوب ، ورجل أمنٍ يمضغ حبة اسبرين (مختلفة النوعية) يمضِّي بها الوقت كيما يلحق بالجدِّ الهالك وهو يقول بثقل:
أيها العجوز الأحمق .. لا تستطيع أن تعيش كل حياتك على ظهر بعير ..
رد عليه البعير راغيا: فكيف بشعب!
**
هذه المرة .. لم ألعن صديقي ، لم أترحم على جده ، ولم أتفاعل مع الحكاية الأكذوبة ، لم أفعل كل ذلك ، لقد اتعظت من المرة السابقة ، ومن الحكاية الفارغة ، ومن الرحلة التنزهية المجانية ، صحت جذلا ، وبفمٍ ملآن نشوة وحماسا: عاش الوطن ، ولتمت كل (البعارين) !
أنبئه جده ،عن أبيه ، عمن لقيه من رجالات الوطن في عهد غابر (بشرفي ليس أغبر من حاضر) ، قال-دام صمته-:
كنا ثلاثة عربان مسافرين ، فلقينا رجل لا نعرفه ولا يعرفنا ، سلمنا عليه وَجَلا ، فقال نزِقا: (هويتك ..أنت ويـ...ـاه) ، ولم يكن معنا يا ولدي هوية ، فاقتادنا إلى مخفر الشرطة ، وهناك تم ترحيلنا إلى بعيد ، إلى حيث تسكن الشياطين مصفدة!
**
لعنت صديقي على هذه القصة الفارغة (كنت صغيرا .. صغيرا لا أعرف ما الرمزية) ، ولعنته أخرى على هذا الحديث المخزي في ساعة كهذه ، ولعنته على سحنته التي تشبه سحنة جده المنحوس (سالف الذكر) ، ولعنته كثيرا ..
اكتشفت فيما بعد أن صديقي هذا : (ضد اللعن) ، لقد كان الملعون حقاً حقا .. ((مخبرا)) !
**
التقيته كرّة أخرى (بعد رحلة تكفل بتنسيقها لي من جهده الخاص أخزاه الله وجعلها في ميزان سيئاته) ، طلبت منه عدم الحديث ، وأخبرته أني غاضب عليه ، وأنني أتمنى أن لو سحلت وجهه ( ودققت كتفيه) ، ضحك بسخفٍ وصمت ..
فجأة قال: أنبئني جدي من جهة أمي (بسند متصل) ، عن جده ، قال (وكان مقطوع اللسان كبقية المواطنين في ذلك الزمان .. ولا أدري كيف قال؟!) أنه مرة ذهب ليقابل السلطان ، وتجشم عناء السفر ، واغبرار الطريق (طريق مزدوج ناقة تروح وأخرى تلحقها دونما مجيء) ، وقلة الزاد ، وارتفاع سعر الوقود (قبل التخفيض) ، وكثرة القسائم (خيالة أمن الطرق) ، والرياح والسحاب المسخر والأهوال والأنواء ..
خلاصة الحكاية أن جده وصلَ يطلب العطاء في ساعةِ كان السلطان (يحتضر) ، زجروه ، ضربوه ، أخبروه عن قلة أدبه وعن عدم حسن تربيته ، عن عدم تقيده بالأدب مع ولاة أمره ، وأخبره مشفق منهم (هكذا كان يظنه) أن عليه أمرا لا فضلا .. أن ينتظر حتى (تنفرج) الغمة ، واستجاب الجد المكروب لأكذب نصيحة .. !
وطال الانتظار (وما علم رحمه الله أن السلاطين يطول احتضار أحدهم حتى تغدو الساعة دهرا) ، وتوسل إلى ملك الموت بكل ما يملك من صدقات قدمها قبل عامين ، يوم مات زوجته (الجدة الصالحة) ، وحاول كل ما يمكن .. وأخيرا مات السلطان (الهالك) عن 50 عاما من الحكم و20 عاما من الاحتضار ..!
كان الجد المكروب حينها قد تغير لونه ، وطالت لحيته ، وكثر شيب رأسه واستحال (مواطنا أخرا) ، وحين عاد إلى السلطان الجديد يطلب العطية ردوه خائبا ، كان النظام (قد تغير) والرجل جديد عليهم لا يعرفوه ولا يعرفوا له في سجل الطلبات شيئا ، وكانت الدولة تمر بأزمة بعد أن انخفض سعر البر والزبيب (70 درهما للرطل الواحد) ، وحاول الجد و صاول ولكنه ما أفلح أو (لم يفلح).
وعلى الطريق الدولي بين اليمامة وتهامة ، وفي محطة وقود (للبعران السريعة) قضى الجد المكروب أنفاسه الأخيرة بدون طول احتضار ، ومن ورائه كان خيّال أمن الطرق البرية (يشك ظهر بعيره) بقسيمة مفادها (توقف خاطئ)!
وكأي ميت ..
لم تتسع له صفحات الوفيات ، ولم تدفع قيمة تعزيته أحدى الوكالات .. مضى الجد يطلب العطاء من مكان آخر ، ولا أحد يعلم به إلا بعيره المنكوب ، ورجل أمنٍ يمضغ حبة اسبرين (مختلفة النوعية) يمضِّي بها الوقت كيما يلحق بالجدِّ الهالك وهو يقول بثقل:
أيها العجوز الأحمق .. لا تستطيع أن تعيش كل حياتك على ظهر بعير ..
رد عليه البعير راغيا: فكيف بشعب!
**
هذه المرة .. لم ألعن صديقي ، لم أترحم على جده ، ولم أتفاعل مع الحكاية الأكذوبة ، لم أفعل كل ذلك ، لقد اتعظت من المرة السابقة ، ومن الحكاية الفارغة ، ومن الرحلة التنزهية المجانية ، صحت جذلا ، وبفمٍ ملآن نشوة وحماسا: عاش الوطن ، ولتمت كل (البعارين) !
aboezra- المدير العام
-
عدد الرسائل : 2933
العمر : 72
المزاج : معتدل
الاوسمة :
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 28/06/2008
رد: الحياة لا تتسع لعجوز
عنجد ابو عزرا بدي قلك انه مواضيعك دائماً ممتعة ومتنوعة اجد فيها سخرية هادفة واحياناً اخرى صرخة وانتفاضة وتمرد ومرة اخرى ضحكة وابتسامة واقول في نفسي ذلك الانسان عبقري في اختيار ما يضعه امامنا ففي كل موضوع اجد فيه عبرة او توجيه حث او تشجيع غضب او تأييد وكل ذلك بصياغات ادبية سلسة رائعة
اجد هنا تحديداً تتنفس العروبة حقاً يستحق ان يكون اسم هذا المنتدى دولة عرب نت واتمنى من كل قلبي ان يصل سيط هذا الركن الصغير الى اقاصي الارض لانه يستحق ذلك
ومني انا سأطلق عليه لقب رئة العروبة
اجد هنا تحديداً تتنفس العروبة حقاً يستحق ان يكون اسم هذا المنتدى دولة عرب نت واتمنى من كل قلبي ان يصل سيط هذا الركن الصغير الى اقاصي الارض لانه يستحق ذلك
ومني انا سأطلق عليه لقب رئة العروبة
انابيل- Admin
-
عدد الرسائل : 2781
الاوسمة :
السٌّمعَة : 28
تاريخ التسجيل : 25/01/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى